الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

محمد أرسلان: عفرين وانتصار التكاتف المجتمعي

25d9258525d825ad25d9258525d825af2b25d825a725d825b125d825b325d9258425d825a725d92586-6292876

تعيش منطقتنا أجواءً من الحرب العالمية الثالثة ولهذه الحرب معطيات وتداعيات وكذلك آليات، ويعمل كل طرف على بسط نفوذه في المنطقة كي يستحوذ على القسم الأكبر من النفوذ والسيطرة وبنفس الوقت الخروج من المآزق التي يعانيها في الداخل.

الحربان العالميتان الأولى والثانية بدأتا من أجل السيطرة على منابع النفط والثروات السطحية والباطنية، وكذلك السيطرة على المنطقة وإعادة توزيع نفوذ القوى الاستعمارية الدولية والقوى الرأسمالية الناهبة لخيرات المجتمعات والشعوب.

في الحرب العالمية الأولى تم التخلص من الهيمنة العثمانية على المنطقة وتوزيع تركتها بين القوى المنتصرة فرنسا وبريطانيا، وروسيا التي انسحبت من اتفاقية سايكس بيكو بعد انتصار الثورة البلشفية عام 1917، والأصح أن نقول إنها اتفاقية سازونوف – سايكس بيكو.

الآن ونحن في معمعة الحرب العالمية الثالثة نرى أن نفس القوى تتصارع فيما بينها لبسط نفوذها على المنطقة وإخضاع الشعوب والمجتمعات لهيمنتها. تدخل روسيا الآن بنفس القوة التي دخلتها في بداية القرن العشرين، مع الفارق أنَّ روسيا في الحرب العالمية الأولى كانت متحالفة مع بريطانيا وفرنسا ضد الخلافة العثمانية وحليفتها ألمانيا، لكنها الآن – أي روسيا – أخذت مكان ألمانيا وتحالفت مع تركيا ضد بريطانيا وفرنسا وأمريكا.

والسؤال المطروح هنا؛ هل ستكون نهاية روسيا مثل ألمانيا وتخسر الحرب أمّ أنها ستغير من مكانها؟ هذا ما ستخبره لنا قادم الأيام. مع العلم أن جميع الأطراف إبان الحرب العالمية الأولى كانت ضد الكرد وشعوب المنطقة أيضًا، كما هي عليه الآن.

وتدخّل تركيا في الأزمة السورية منذ بدايتها كان هدفه الحصول على مكاسب تُعيد من خلالها أمجاد السلطنة العثمانية ثانية التي فقدتها منذ قرن وبعد الحرب العالمية الأولى. تركيا التي خسرت في سوريا وفشلت جميع مشاريعها، تحاول الآن وفي الوقت الضائع أن تقول للآخرين إنني ما زلت موجودة، لذلك نراها لملمت شمل جميع الفصائل المرتزقة التابعة لها وبجميع مسمياتها وسحبتهم من معظم الجغرافيا التي كانوا يسيطرون عليها ولتزجهم في حرب ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، لتوجيههم نحو عفرين كرأس حربة تنفيذًا لأجنداتها العثمانية.

والسبب الرئيس في تخاذل أو تواطؤ أو غض الطرف والنظر من قِبل القوى الرأسمالية إن كانت امريكا أو روسيا أو بعض الدول الأوروبية لأنه لديها مشروع وهي تعمل على تنفيذه وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأن هذه القوى الرأسمالية تعمل على أساس سياسة “فرق تسد” وأنه من مصلحتها أن تتصارع جميع القوى المتواجدة على الأرض، كي تستفيد هي من هذا الصراع وأن هذه القوى لم تأتِ لحل الأزمة بقدر ما هي تعمل على “إدارة الأزمة”، وأن لا يكون هناك طرف منتصر في هذا الصراع وكسر إرادة كل من يخرج عن مشروعهم. هذا هو الفرق والذي علينا توخي الحذر منه.

إلا أن الكرد الآن ليسوا كرد الأمس وهم يدركون جيدًا أن السبب الرئيس فيما تعانيه شعوب المنطقة كافة هي نفس هذه القوى الرأسمالية، وأنه للكرد أيضًا مشروعهم الخاص بهم من أجل المنطقة، وهو مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي.

الآن يمكننا القول إن أس الصراع في المنطقة هو بين مشروعين مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتزعمه أمريكا ومن معها من دول اوروبية وكذلك الأدوات وبين مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي الذي يتزعمه الكرد ومن معهم من شعوب المنطقة التي تبحث عن حريتها وكرامتها، وهناك بعض الأطراف التي تسعى للحفاظ على نفوذها ووجودها وتصارع من أجل إعادة الماضي مع بعض الإصلاحات الشكلية وهي إيران وتركيا وسوريا وبعض الدول الأخرى.

وحينما تفقد السياسة أحد أهم عناصرها ألا وهي الأخلاق نصل لما نراه الآن في صمت الكثير من القوى من أجل الحفاظ على مصالحهم ولتذهب الشعوب الأخرى إلى الجحيم، هذه هي مبادئ القوى الرأسمالية ولا يهمها سوى مصالحها المبنية أساسًا على إبادة الشعوب والمجتمعات.

وإلى الآن الدولة السورية لم تحرك ساكنًا بالرغم من أن بعضا من مسئوليها أعلن على أنهم سيحمون الأجواء السورية من أي اعتداء تتعرض له من قبل تركيا، وهذا ما يؤكد أن سوريا لا تمتلك القرار بل إن جميع الأجواء السورية ليست بيد الدولة السورية، بل هي بيد روسيا، وأن المقايضة التي تمت تحت رعاية روسية إيرانية وموافقة تركية تم تنفيذها في نفس اليوم التي أعلنت فيها تركيا عن بدء هجومها على عفرين، وهي إدلب مقابل عفرين، على غرار حلب مقابل الباب، إنها البراغماتية الروسية التي تبحث عن مصالحها ولا يهمها قضية الشعوب.

مصر التي كانت الدولة الوحيدة من الدول (العربية) التي أدانت الاحتلال التركي لعفرين، وهو نفس الموقف الذي اعتدنا عليه من مصر التي تسعى للعب دورها في المنطقة.

الذي سينتصر في عفرين هو إرادة الشعوب التواقة للحرية، ربما تطور الحرب وهو الهدف الذي تريده القوى الدولية لتوريط تركيا أكثر في المستنقع الكردي، وتزداد وحشية وهمجية وهذا ما رأيناه في إرهاب المرتزقة بحق الشهيدة بارين وآفيستا اللتان أصبحتا أيقونةً للتحرر والحرية، ووصمة عار في جبين المُجتَمَعَين، الدولي “الأمم المتحدة” والاسلامي “الأزهر” اللذين يعيشا صمت القبور.

كل العالم يُدرك بشكل جيد أن قوات سوريا الديمقراطية هي القوة الوحيدة التي حاربت الإرهاب وطردته، وسيكتب التاريخ أن قوات سوريا الديمقراطية التي عمادها وحدات حماية الشعب والمرأة هم الذين دكوا عاصمة داعش في الخلافة الافتراضية، وهذا بحد ذاته يُعتبر وسام شرف لهم، وأن العالم سيتحرك لمساندتهم حينما يرون أن تركيا عاجزة عن إحراز أي نصر أو تقدم يذكر.

قوة الإرادة الحرة والتكاتف المجتمعي هو الذي سيجبر معظم القوى على التقرب من الكرد ومساندتهم لأنهم يشكلون القوة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مشروعا ديمقراطيا حرا على عكس جميع التيارات الأخرى التي تعتمد على الإسلام السياسي والمرتهنة لتركيا.
“صدى البلد” المصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *