الخميس, أبريل 18, 2024

الوثيقة السياسية لسورية المستقبل.. المجلس التأسيسي للفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا

منبر التيارات السياسية (بيانات)

بالرغم من  التضحيات الجسيمة التي قدمتها جميع الشعوب و المكونات في سورية ومرور ستة أعوام على الأزمة السورية، الا ان الوضع لم يتغير نحو الافضل ، بالعكس تماما نرى بأن الأزمة الموجود باتت كمرض السرطان يتوسع و يتعمق بشكل أكثر.  و هذا ما يؤكد على أن الأزمة الموجودة هي أزمة بنيوية وكي يتم تجاوزها هناك حاجة إلى حلول جذرية شاملة. و بما إن الأساليب والاطروحات التي استخدمت حتى الآن لم تأتي بالحل ، حينها سيكون من الأصح إعادة النظر فيها و اللجوء إلى طرق بناءة جديدة.

خلال المرحلة  الماضية تم الادراك جيدا على إن  الحرب الاستنزافية المفروضة على الشعب السوري، لا تخدم أي مكون في سورية بغض النظر عن هويته القومية و الدينية والثقافية. لأنها ظهرت نتيجة رفض النظام للتغيير الديمقراطي واصراره على نظام الحزب الواحد، ومن أجل أن ننهي المأساة السورية نحن بحاجة إلى تغيير جذري عن طريق تأسيس نظام ديمقراطي يضمن حقوق كل الأفراد و المكونات في المجتمع السوري. هذا و أكدت لنا هذه السنين بأننا كسوريين لا خيار أمامنا سوى الحل الديمقراطي. و إذا ما أصر النظام الحاكم او أي فصيل أو تيار سياسي على حلول ترميم الدولة القومية أو فرض هويته فإنه لا محال سيخدم تقسيم و تمزيق سورية. لأن الوحدة المعتمدة على دستور ديمقراطي والحرية والمساواة هي التي يمكن أن تحمي وحدة الأرض السورية و تقوي نسيجها الاجتماعي، في حين الوحدة القسرية التي تعتمد على التعصب القومي ، الديني و المذهبي ستؤول بسورية إلى الانهيار.

انطلاقا من هذه الحقيقة و إذا ما تم تقييم خاصية المجتمع السوري من حيث التنوع الثقافي، القومي و الاجتماعي، فمن البين أن النظام الفيدرالي الديمقراطي الذي يعتمد على منظور الأمة الديمقراطية  الغير المبني على لغة واحدة ، اثنية واحدة  ودين واحد هو أنسب نظام يمكن أن يجمع و يوحد السوريين تحت سقفه.  في حين العمل على إعادة إحياء الدولة القومية والإصرار في استمراره أو إعادة إنتاجه فإنه لن يؤدي سوى إلى تمزيق و تشتت أكثر لنسيج مجتمعاتنا.

ثمة توافق ضمن كافة الجهات السياسية الديمقراطية بشأن  أهمية التحول الديمقراطي في سورية. ما ينقص هنا هو جعل هذه الرغبة إرادة حية و مكشوفة. و الدستور الديمقراطي هو يقين هذا الواقع و حقيقته، و التعبير الجوهري عنه. و إننا كقوى مشاركة في المجلس التأسيسي للفيدرالية الديمقراطية لشمال سورية. نرى بأن الخروج من الأزمة يمكن أن يتم عن طريق  إعادة بناء هيكلية الجمهورية تأسيسا على الدستور الديمقراطي. وقد سعينا للحوار مع كل القوى السياسية السورية ، لكي نقوم بحل قضايانا ونرسم معالم مستقبلنا بأنفسنا ، إلا انه تم استبعادنا و إقصاءنا في معظم الاجتماعات التي عقدت حتى الآن. و نريد أن نؤكد بأننا منذ البداية و حتى الآن تحركنا بأجندات وطنية ديمقراطية، إيمانا منا بأننا كسوريين نمتلك القوة و المقدرة التي تمكننا من حل مشاكلنا. إلا إنه و للأسف الشديد لم نر إرادة سياسية نخاطبها و نتحاور معها، سواء من قبل النظام أومن قبل المعارضة الداخلية أو الخارجية. هذا و بالرغم من عدم تقديمهم لأي مشروع حل، فإنهم لم يقبلوا بالخيارات المقدمة من قبلنا أيضا، مما زاد من العقم و الانسداد. لذلك فلا خيار أمامنا سوى أن ننظم المناطق التي تم تحريرها من القوى الإرهابية وفق نظام ديمقراطي. لنتمكن من حماية مناطقنا من كل أنواع المخاطر . و أيضا نهدف بذلك إلى خلق بديل، بحيث تتحول مناطق شمال سورية إلى نموذج للحل . هذا و من الضرورة القول بأن مشروع الفيدرالية الديمقراطية الذي نريد تطبيقه و بالتكامل مع الفيدراليات التي نرى من الضرورة إنشاءها في المستقبل، وهي جزء لا يتجزأ سورية الفيدرالية الديمقراطية . و بما إن الظروف الموضوعية و الذاتية  غير مواتية من أجل تأسيس دستور ديمقراطي لكل سوريا في الوقت الراهن . فإننا في المناطق المحررة سنقوم بتنظيم حياتنا وفق هذا العقد الاجتماعي ، المتفق عليه من قبل كل المكونات التي تعيش ضمن جغرافية شمال سورية. إلى أن يتم الاتفاق على دستور ديمقراطي يضمن حقوق كل السوريين . من هذا المنطلق نرى بأن المبادئ الأساسية التي يجب أن ترسم الإطار المعني بماهية الدستور الديمقراطي السوري هي بهذا المضمون:

أولا: مبدأ الأمة الديمقراطية :

الأمة الديمقراطية هي الأمة المتألفة من الأفراد الذين يتشاطرون  حقوقهم و واجباتهم ويمارسون حرياتهم الرئيسية بالتساوي، بقدر ما تتألف من شتى أنواع الثقافات و الأديان و الأثنيات، و المستندة بالتالي  إلى دعامة وحدة الحقوق  الفردية و الجماعية.

ثانيا: مبدأ الوطن المشترك:

واضح جدا بأننا كسوريين بحاجة إلى مفهوم جديد بصدد الوطن المشترك. أي أن مفهوم الوطن الذي لا ينتسب إلى أثنية ذات لغة واحدة، و لا إلى دين واحد و حسب، بل يتألف من مواطنين متعددي اللغات و القوميات و الأديان، هو الأكثر واقعية. بالتالي ، هذا المفهوم يمكن أن  يلبي متطلبات التكامل و التآخي أكثر ويحيًيهما ويرسخ من وحدة الارض و المجتمع السوري بشكل أكثر. بينما الوطن الذي يزود بمشاعر الانتماء إلى أثنية واحدة فقط، يقصي القسم الأكبر من المواطنين و يجعلهم مجرد ” آخرين”. هو المفهوم الذي يثير التكتل و يؤدي الدور التقسيمي والانفصالي بالأصل. جلي تماما أن مفهوم المواطنين المتشكلين على  نمط  واحد ، ينبع من الفاشية. فالتباين يعبر عن غنى الحياة في الطبيعة و المجتمع على حد سواء . من هنا ، فالأصح هو التحلي بالروح الوطنية  بناء على الارتباط بالأرض و الأيكولوجية و التقدم، و ليس كشوفينية و عرقية.

ثالثا: مبدأ الجمهورية الفيدرالية الديمقراطية:

إن تفسير الجمهورية كدولة قومية باعتبارها نظام دولة، إنما هو عامل مؤثر في الإقصاء، نظرا لكونه الشكل الصارم لها، فمن المحال أن تكون دولة ما قومية و بنفس الوقت ديمقراطية. بينما النظام الأمثل بالنسبة للجمهورية هو الدولة الديمقراطية وهي الدولة المنفتحة على النظام الديمقراطي. في حين تقوم الدولة  القومية بالقضاء على الخصائص الديمقراطية للمجتمعات مثلما حصل في الفترة الماضية .

في الحقيقة إذا ما تم إسقاط التنوع الثقافي على الواقع السياسي في سورية، سنرى بأن مبدأ الحل الديمقراطي ينسجم مع نموذج الجمهورية الفيدرالية الديمقراطية السورية. المهم هنا هو تشييد الجمهورية الفيدرالية الديمقراطية السورية كنظام سقفي جامع لكل الفيدراليات .  هذا وعدم أدلجة شكل النظام والدولة و عدم ربطها بأثنية أو دين معين، يعتبر أمر مهم من أجل حل القضايا المتأزمة في سورية. لذلك سيكون من الأنسب القيام بصياغة تعريف حقوقي للجمهورية الفيدرالية الديمقراطية السورية بوصفها نظاما قانونيا ديمقراطيا بالنسبة لكافة المواطنين . و بذلك يكون قد تم احتواء جوهر مبدأ الأمة الديمقراطية و مبدأ العلمانية ضمن التعريف أعلاه. من هذا المنطلق فالتعبير عن الجمهورية الفيدرالية الديمقراطية السورية دون إرفاق مصطلح أثني أو عرقي أو ديني. سيكون شاملا ومتكاملا  بشكل أكثر.

رابعا : مبدأ الدستور الديمقراطي:

من أجل تكريس مبادئ الديمقراطية ، يجب أن ترتكز إلى دستور يسن بتوافق اجتماعي وتمثيل حقيقي وصحيح لجميع المكونات بحيث نتمكن من بلوغ نظام إداري راسخ لتتمكن جميع المكونات من حماية حقوقها بشكل دائم ويفتح المجال أمام المؤسسات المجتمعية والشرائح الاجتماعية لتنظيم وتطوير ذاتها وأخذ دورها الطبيعي في المجتمع وفي مقدمتها المرأة والشبيبة. هذا و يعد الدستور الديمقراطي أداة لا بد منها ، في سبيل الإبقاء على الدولة كعامل يؤمن الحل بوصفها ميدانا من زخم الخبرات و التخصص ، لا كمؤسسة مولدة للمشاكل المثقلة من وطئتها باستمرار. الدستور الديمقراطي هو الضامن الذي يوحد بين الفيدراليات ضمن الوطن المشترك.

خامسا: مبدأ الدفاع الذاتي:

تأتي قضية الدفاع الذاتي في مقدمة القضايا التي نعيشها كشعوب و كهويات اجتماعية و ثقافية  في سورية. وتبين تاريخيا إن الحياة المجردة  من الدفاع الذاتي تنتهي بمآسي من أجل المجتمعات سواء من الناحية الاجتماعية أو حتى تعرضها لكل أنواع الإبادة . لذلك يعتبر ضمان  الدفاع الذاتي من أجل المجتمعات والأفراد في كل منطقة من سورية أمر لا بد منه ، هذا بالإضافة إلى أن  ترسيخ نظام كاف من الدفاع الذاتي ضرورة حتمية من أجل حياة حرة ، متساوية و عادلة.

سادسا : مبدأ حرية المرأة:

تعتبر قضية تحرر المرأة من أهم القضايا التي تعاني منه مجتمعاتنا في سورية. ومن أحد الأسباب الأساسية للتخلف الذي يعيشه مجتمعنا هو تهميش وإقصاء  دور المرأة في عملية البناء المجتمعي و تحويل المرأة الى عنصر من الدرجة الثالثة أو الرابعة. ومن أجل القضاء على الممارسات اللاديمقراطية وغير العادلة التي تتعرض لها المرأة، هناك حاجة الى مواد دستورية تضمن مساواة المرأة و الرجل في جميع مجالات الحياة. لذلك المشاركة الفعالة للمرأة في عملية صياغة الدستور الجديد في سورية، يعتبر من الأمور الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

سابعا: مبدأ الاقتصاد:

يجب ان يتم العمل على ترسيخ سياسة اقتصادية تحقق حماية المجتمع و البيئة في وجه التأثيرات الاحتكارية و التدميرية القصوى الناجمة عن سياسة الاحتكار المسيطرة على الاقتصاد. لذلك هناك حاجة كبيرة لسياسة اقتصادية تغطي احتياجات المجتمع وتحقق التوزيع العادل للثروات التي نملكها كسوريين. بحيث يتم إغلاق الطريق امام النهب الاحتكاري المتسلط على السوق . هذا ويجب ان يتم القضاء على ظاهرة البطالة التي تحولت إلى حالة متفشية في مجتمعاتنا. بحيث يتم تأمين العمل لكل فرد في سورية بغض النظر عن هويته الجنسية أو الاثنية أو الدينية.

ثامنا: مبدأ اللغة و الثقافة: يعتبر ممارسة كل شعب للغته و ثقافته في المجال التعليمي و الفني و العلمي والديني من الحقوق الأساسية للإنسان ، لذلك يعتبر ضمان التعليم باللغة الأم في الدستور الجديد من أجل (  الكرد، العرب، السريان الاشور، الأرمن ، التركمان  ،الجركس ،الجاجان) أمر لا بد منه. وهذا سيقوي من النسيج الاجتماعي و الثقافي للمجتمعات السورية و سيفتح الطريق أمام وحدة طوعية بين جميع  المكونات.

انطلاقا من ما تم ذكره في الأعلى إننا كمجلس تأسيسي لفيدرالية شمال سورية، سنعمل بكل ما في وسعنا من أجل تطوير حل ديمقراطي يشمل كل سورية. ونؤكد للرأي العام السوري بأننا مستعدون للتفاوض والحوار مع كل القوى السورية من أجل تحقيق نظام ديمقراطي يضمن السلام والاستقرار لكل السوريين.

المجلس التأسيسي للفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا

29-12-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *