الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

أحمد بيرهات: القراءة الصائبة وضرورات المرحلة – كردياً

أحمد بيرهات (كاتب وباحث في منتدى حلب الثقافي)

مع اقتراب مئوية معاهدة لوزان التي أُبرمت في 24 تموز بسويسرا عام 1923 والتي كانت إيذاناً بتأسيس “تركيا مصغرة” الجمهورية التركية في 29 تشرين الأول عام 1923م على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.
الدولة التركية وحكوماتها المتعاقبة المُشكّلة من تركيبة التركياتية البيضاء والرمادية والتركياتية الخضراء، تُخرج من بين أنيابها سمومها تجاه شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكردي داخل حدود تركيا الحالية وخارج حدود تركيا عبر سياسات وإجراءات تقوم بها عملياً وفعلياً منها:
-قمع الحريات الشخصية والمجتمعية، الحقوقية والإعلامية.
-الاعتقالات المكثفة للنشطاء والنقابيين والسياسيين والديمقراطيين.
-استمرار القيام بشن هجمات احتلالية شاملة وواسعة تجاه المقاتلين الكرد (الكريلا) في باكور وباشور كردستان منذ عام 1983 وحتى الآن.
-استهداف أي تجربة كردستانية من ضمنها استهداف مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
كل ذلك لخلق التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة للقيام بفرض رؤيتها وأجنداتها في داخل وخارج تركيا.
بعد فشل مشروع أردوغان في المرحلة الأولى 2002-2015 وتحالفه مع دولت باخجلي في المرحلة الثانية 2015-2022 هذا المشروع الذي يعتمد على إحياء الميثاق الملّي بهيئة عثمانية جديدة، بهدف تحقيق أطماعها التوسعية وإقصاء وإنهاء الكرد.
في هذه الحيثية لا ضير في أن نذكّر القُرّاء ببعض أسس ومبادئ هذا الميثاق:
-تشكلت الخطوات العريضة للميثاق الوطني في مؤتمر أرضروم ومؤتمر سيواس المنعقدين في عام 1919.
-تمت صياغته عام1920 بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى من قبل مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني) برئاسة مصطفى كمال (أتاتورك).
-الميثاق الملّي هو عبارة عن ستة مبادئ تحدد حدود تركيا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية.
-اعترف الميثاق الملّي بتلك الصورة بخسارة الأتراك للولايات العربية (الأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية) لكنه استثنى إقليم كردستان بالكامل إضافة إلى شمال سوريا وولاية حلب وشمال العراق وولاية الموصل.
-تم إلغاء الميثاق الملّي في عهد أتاتورك بموجب اتفاقية لوزان في عام 1923 (لأن أتاتورك كان يخشى أن يخسر الاستقلال التركي الوليد للتو).
-أعاد الرئيس التركي أردوغان مضمون الميثاق الملّي للواجهة في تشرين الأول عام 2016 عندما اُستبعِدت تركيا من حملة دولية قادتها أمريكا لتحرير مدينة الموصل من داعش، حيث أكد أن “على الحكومة العراقية قراءة الميثاق الملّي ليفهموا معنى الموصل بالنسبة لنا”.
-ومازال الأتراك يرون أن اتفاقية لوزان “مجحفة بحقهم حتى الآن”.
تركيا خسرت رهاناتها في مقامرة ورقة الإخوان المسلمين بتسلم واستلام الحكومات في غالبية دول المنطقة ابتداءً بمصر وفلسطين ولبنان مروراً بموريتانيا والمغرب وتونس وليبيا…
مخاوف وتداعيات هذا الفشل الذريع جعلهم ينفتحون مجدداً على دول الخليج وإسرائيل وأرمينيا واليونان والتلويح لمصر كمركز ثقل في الشرق الأوسط بحقبة جديدة معها مقابل التضحية بحركة الإخوان في مصر ولمحاولة تجاوز الخلافات وتحويلها لمصلحتهم وتشكيل تحالفات جديدة وفق ذلك.
“الرهان والكفة التركية الراجحة” تكمن في موقعها الجيوسياسي الهام لمصالح دول الهيمنة الإقليمية والعالمية وإظهار نفسها بأنها هي من تستطيع لعب دور التوازن والتأثير في الشرق الأوسط كدور منوط بها من قبل حلف الناتو وتلاقيها مع ذهنيتها الطورانية والتوسعية كما يظهر ذلك في أوكرانيا.
لعبة التوازنات الصعبة التي تشكل منطق السياسة في الشرق الأوسط من المرجح أن تستمر، وما الهجمات المكثفة منذ 17 نيسان 2022 من قبل الجيش التركي ضد “مناطق حماية ميديا” (والتي أعلنت رسمياً في بداية عام 2002 في المثلث الحدودي لتركيا وإيران والعراق والتي تُعرف اختصاراً بـ “قنديل” حيث يتواجد قوات الدفاع الشعبي الكردستاني HPG ومئات القرى الآهلة بالسكان)، إلا بمثابة:
-الهروب من استحقاقات الدولة التركية والتغطية على أزماتها الداخلية وإشغال الشعب بمسائل دوغمائية شعبوية.
– استغلال الظرف الدولي وانشغال القوى المؤثرة بالحرب في أوكرانيا.
-السيطرة على تلك المنطقة وجبالها وتهجير الكرد القاطنين هناك واعتقادهم أنهم بذلك سوف يسيطرون على مخمور وشنكال.
-تطويق مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا.
-تريد تركيا بالتعاون مع أطراف تدعي الكردياتية في السيطرة على الأراضي التي يتم من خلالها نقل الغاز من حقل خورمو (هولير) -جمجمال (سليمانية) إلى أراضيها ومنها إلى أوروبا، لتساهم في رفع اقتصادها المنهار وبالضغط على أوروبا ومقايضتها بمسائل خاصة بالكرد.
-محاولة تركيا جر أطراف كردية لمخططاتها ومحاربة قوات الدفاع الشعبي HPG سوف يخلق حرب لا مصلحة كردستانية فيها خاصةً في هذه الأجواء غير المستقرة والحساسة.
-لابد من تعرية كل طرف أو وجهة تخدم أجندات أعداء الكرد وإبراز وتكوين إرادة وطنية شاملة كَرد حتمي لإثبات صراعنا الوجودي.
-على الكرد العودة لرشدهم وصوابهم والتخلي عن التكوين والذهنية القبلية والعصبية والإقطاعية والبرجوازية بأشكالها المنفعية التي لا ترى غير مصلحتها الفردية والأنانية المحضة.
هذه هي العقبات الاجتماعية والسياسية والسوسيولوجية التي تعرقل عقد مؤتمر وطني كردستاني، وفق ذلك لابد من:
-وحدة الموقف السياسي (كردي – كردستاني) في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة والعالم حالياً مطلب فوري، في ظل سياسات التغيير الديمغرافي والتلويح التركي بإعادة مليون لاجئ سوري قاطن في تركيا إلى المناطق التي تحتلها في سوريا، وتهديداتها اليومية بغزو جديد لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية (منبج – تل رفعت).
-تلاحم العمل المؤسساتي في الداخل مع النشاط الدبلوماسي الخارجي وفق المصلحة المجتمعية سوف يوصلنا ويترجم عملياً كل مطالبنا وآمالنا نحو تحرير كل مناطقنا المحتلة والعودة إليها بشرف وكرامة.
فالكرد لا يعادون أي شعب أو دولة بل يريدون إنهاء العداوة إلى الأبد والتوصل إلى اتفاق وحل سلمي وعادل للقضية الكردية، حيث يشكل الكرد عامل استقرار وتقوية للعملية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.

المصدر: صحيفة روناهي