الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

خورشيد دلي: المحللون الكرد والفضائيات

مع بروز دور للكرد في سوريا على وقع فصول الأزمة السورية، والحرب ضد داعش، والانفتاح الإقليمي والدولي عليهم، والعدوان التركي المتواصل ضدهم، فرض الحدث الكردي نفسه على وسائل الإعلام ولاسيما القنوات  التلفزيونية، وتحديداً الشبكات الإعلامية الكبرى التي تحرص على تواجدها في كل مكان فيه حدث، ومع هذا التطور المتغير برزت أهمية مشاركة الصوت الكردي في نشرات الأخبار وبشكل أكثر في البرامج السياسية الحوارية التي تحرص على مشاركة كافة الأطراف المعنية بالحدث لمعرفة مختلف وجهات النظر المعنية بالقضية المثارة.

للحظة الأولى، بدا الكرد غير جاهزين لمثل هذا الطارئ الكبير والحساس، إذ بدا ثمة إفتقار كبير للمختصين في مجال الإعلام، وللخبراء الذين يستطيعون الحديث بطلاقة إلى وسائل الإعلام، وللمتابعين الذين يستطيعون تقديم رؤية منطقية تخدم قضيتهم، فضلاً عن ضعف عامل اللغة الذي هو أساسي في ايصال الرسالة المنشودة، والأمر هنا لا يتوقف على معرفة اللغة بل يصل إلى اختيار المفردة اللغوية والسياسية والقانونية المناسبة التي ينبغي أن تخدم إيصال الفكرة والموقف والمعلومة، خاصة وأن معظم وسائل الإعلام لها أجندة محددة، وفي إطار هذه الأجندة كثيراً ما يحاول المذيع أو مقدم البرنامج جر المحاور إلى موقف سياسي بعينه ليضعه في خدمة أجندة القناة والجهة التي تقف خلفها.

للحظة الأولى أيضاً، بدا أن المحاور الكردي، هو المسؤول الحزبي الذي لم يمارس لعبة الاعلام بكل ما تعنيه كلمة اللعبة من دلالات وخيوط ووظيفة. وعليه، غالباً ما بدا موقفه هو الدفاع في مواجهة تهم معدة مسبقاً، خاصة وأن الكثير من وسائل الإعلام لا تتوفر لديها معرفة كافية بالشأن الكردي أو أنها أسيرة سياق أخباري محدد، لكن تدريجياً بدأنا نشهد ظهور موجة من المحللين الكرد الذين يستطيعون تقديم مقاربة منطقية في شرح الأحداث وتفسير المواقف وإيصال الرسالة، ولعل قراءة سريعة للذين يظهرون على الفضائيات تضعنا أمام قائمة مهمة من المحلليين الكرد دون الدخول في قائمة الأسماء، حيث معظم هؤلاء هم من الأكاديميين والصحفيين الذين يحملون روح البحث والمعرفة والمتابعة والكتابة، على شكل احتراف للمهنة أكثر من أي شيء أخر، وهو ما حقق قفزة في مجال المشاركة الكردية في البرامج الحوارية وعوّض عن النقص الموجود إلى حد كبير. ولعل ما سبق يشير إلى أهمية معركة الإعلام ودوره، وضرورة امتلاك أسلحته، لطالما أن الراي العام يبقى مهماً وأساسياً في معركة تفهم الحقوق والاعتراف بها، دون أن يعني ما سبق التقليل من أهمية العامل العسكري على الأرض الذي يبقى أساسيا في رسم مسار الأحداث وتحديد الخرائط. وهنا ينبغي التوقف عند جملة من القضايا التي تجعل من معركة الإعلام معركة مصيرية ، تخصص لها ملايين الدولارات وتجند لها أعلى الكفاءات والمؤهلات.

1- إن الحركة الكردية لم تولي أهمية كبيرة لمعركة الإعلام، إذ بقيت الحزبية الضيقة هي المحرك الأساسي في كيفية التعاطي مع هذه المعركة الحساسة، ولعل قضية تعيين متحدثين إعلاميين باسم الحركة تشكل دليلاً كبيراً على ظاهرة التقصير هذه، إذ أن السؤال هنا يتعلق بالمعايير التي يتم على أساسها تعيين هؤلاء المتحدثين دون التدقيق في مؤهلاتهم من لغة وخبرات وقدرة على الحوار وفهم السياسات وتوجيه سياق الأحداث، وهي جميعها مقومات أساسية لإيصال الرسالة المنشودة والموقف المناسب، كما أن إنشاء كم كبير من القنوات والإذاعات والمواقع الإعلامية… لا يعبر بالضرورة عن وجود استراتيحية إعلامية ناجحة.

2- ان معركة الظهور على الفضائيات تتطلب وجود ما يشبه غرفة عمليات في جاهزية تامة ودائمة، تكون وظيفتها مد المتحدثين إلى وسائل الاعلام بالمعلومة السريعة، وشرح خلفية الحدث، وتقديم المعطيات التي يمكن البناء عليها، كي يبني المتحدث على ما سبق روايته وخطابه الإعلامي لإيصال الرسالة المنشودة، وهذه مسؤولية من يقود الحركة ويؤمن بوجود مشروع سياسي على الأرض على شكل تقديم المقومات اللازمة لنجاحه، ولعل ما نشاهده إلى يومنا هذا، هو غياب أو عدم إدراك لأهمية ما سبق، ولذلك كثيراً ما نجد المتحدث وكأنه يتحدث من نفسه، ولعل حادثة الزميل إبراهيم إبراهيم تشكل دليلاً على ما سبق، إذ أن تصريحاته لإحدى القنوات التفلزيونية حول إدلب بدت متناقضة مع سياسة مسد التي كان يمثلها، وقد استغلت (المعارضة) هذا الأمر بطريقة صارخة، علما أن ما يعرف الصديق إبراهيم يدرك تماماً أن الرجل الذي تعرض منزله في عفرين للاحتلال وأهله للإرهاب، لا يحمل أفكاراً عدوانية أو عنصرية أو دوافع الكراهية والقتل كما سُوّق من تصريحاته، وهو ما يؤكد ضرورة ما ذهبنا إليه من وجود تقصير كبير في فهم التعاطي مع معركة الإعلام، في المقابل يتسلح العدو التركي بهذا السلاح بكل ما له من معنى، وهنا أورد ما قاله لي صديق تركي يعمل في حقل الإعلام، إذ أكد ان أحمد داود أوغلو خلال عمله وزيراً للخارجية التركية، اختار 40 شخصاً من المتحدثين باللغة العربية جيداً، وخصص لهم رواتب ضخمة، وشكل غرفة مرتبطة بوزارة الخارجية، لمدهم بالمعلومات من أجل الظهور على الشاشات العربية، وتسويق رؤية تركيا ومواقفها السياسية من الأحداث الجارية في المنطقة والعالم، ولا يخفى اليوم على أحد أن تركيا تحولت إلى ملجأ لمعظم الحركات العربية المعارضة ولاسيما جماعات الإخوان المسلمين من مختلف الدول العربية حيث باتوا هؤلاء من أشد المدافعين عن سياسة أردوغان أكثر من الأتراك أنفسهم، والسؤال هنا، ماذا فعلنا في مواجهة كل ذلك ؟ وماذا فعلنا في مجال المدافعين عن القضية الكردية ؟

3- إن الظهور على الفضائيات ولاسيما في البرامج الحوارية التي تتطلب مستوى عالياً من المتحدثين المتمكنين، لا يمكن أن يكون عملاً إرتجالياً أو من دوافع شخصانية تتعلق بحب الظهور تطلعاً إلى الشهرة أو المال، وإنما ينبعي أن يكون عملاً مدروساً، يتطلب أولاً من المتحدث معرفة الموضوع المثار للنقاش جيداً، وخلفية الوسيلة الإعلامية، ومعرفة هوية الضيف المقابل، والتحضير للموضوع المثار للنقاش بشكل جيد، ومحاولة امتلاك المعلومة وخلفياتها، كي يكون المتحدث على دراية كاملة بالمعركة التي يخوضها، بعيداً عن الانفعالية والتوتر والارتجال وثقافة الصراخ على الهواء، ومن دون ذلك فإن الأمر سيبدو كمن يذهب إلى القتال من دون سلاح ويستشهد على أرضها دون نصر أو إنجاز.

في الواقع، ما حصل مع الزميل إبراهيم، يجب أن يكون محطة للمراجعة، مراجعة تفضي إلى إيلاء الاهتمام بالمعركة الإعلامية وترتيب الأوراق اللازمة لذلك، إذ أن وقع كلمة ما في كثير من الأحيان يكون أشد إيلاماً وتاثيراً في معركة ممارسة السياسة.     

نورث برس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *