الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

علي الصراف: قفل كردي لمخلب تركي

عملية “قفل المخلب” التركية ضد مسلحي “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق تمت بالتنسيق مع أربيل، لا بالتنسيق مع بغداد.

كان ذلك مجرّد فصل آخر من فصول التواطؤ التي يمارسها الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل ضد القضية القومية للشعب الكردي.

ذهب رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى أنقرة، واجتمع مع الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولين أمنيين آخرين ليقدم دعمه لعملية اقتحام تركية جديدة للأراضي العراقية. وخرج من الاجتماع ليعلن ترحيبه “بتوسيع التعاون ودعم الاستقرار والأمن في شمال العراق”.

أمن شمال العراق الذي لا تحميه بغداد ولا أربيل نفسها، لم يصبح شأنا من شؤون أنقرة، بمنعطف جديد أو طارئ. إنه منهج تعود أصوله إلى سبعينات القرن الماضي، عندما بدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني حرب اغتيالات للقيادات الكردية التركية تحت إشراف المخابرات التركية.

يمكن لأيّ أحد أن يرى أن حزب الملا مصطفى بارزاني لم يكن، ولا في أيّ وقت من الأوقات، حزب قضية قومية، أو حزب حرص على الحقوق الوطنية لأكراد العراق، ولا أيّ أكراد آخرين.

حزمة من الافتراضات الانتهازية هي التي وفّرت لهذا الحزب التبرير لكي يبحث لنفسه عن دور ومكانة على حساب القوى الكردية الأخرى التي تناضل من أجل الحقوق نفسها التي يتطلع إليها أكراد العراق.

رأس هذه الحزمة هو أن “استقلال كردستان العراق” قضية منفصلة عن قضية الحقوق القومية الكردية، ولا يمكن الدفاع عنها إلا بالتعاون مع الأطراف الإقليمية، حتى ولو كانت هذه الأطراف تشنّ حربا على الأكراد في الأقاليم الخاضعة لها.

سلطة العشيرة في أربيل، تحكم على أساس هذا الوهم. وبحسبها، فإن طلب النجاة للنفس يكفي في حد ذاته لكي يبرر التعاون والتواطؤ مع الذين يحاربون الأكراد في بلدانهم.

هذا هو السبب الذي جعل سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، سلطة ارتباطات أمنية مع أنقرة، وسلطة تواطؤات مع طهران. وأصبح من المبرر لها أن تكون شريكا في سفك دماء أكراد آخرين.

حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه)، الذي تعدّه أنقرة تنظيما إرهابيا، هو جزء من حركة التحرر الوطني الكردية، وهو حزب مسلح مثلما ظل الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه حزبا مسلحا على طول الخط. والمكانة التي يحتلها الـ”بي كيه كيه” إنما يستمدها من ثلاثة حقائق متلازمة.

الأولى، أنه يمثل تطلعات أكبر كتلة سكانية كردية في المنطقة. إذ يبلغ أكراد تركيا نحو 20 مليون نسمة، بينما لا يزيد أكراد العراق عن 5.5 ملايين نسمة، أما أكراد إيران فهم 4.6 ملايين نسمة، وأما أكراد سوريا فيبلغون 1.6 مليون نسمة.

هذا يعني، أنه لا توجد قضية حقوق قومية كردية من دون أكراد تركيا. وأيّ امتيازات يحصل عليها الأكراد الآخرون، ما لم تصبّ في التيار الحقوقي نفسه، فلن تعدو كونها امتيازات ميليشياوية تريد أن تستقل بما تحصل عليه من أعمال التغطي المزيف بالقضية القومية.

والثانية، هي أن أكراد تركيا هم الأكثر حرمانا واضطهادا وتعرضا للظلم والتمييز، حتى أنهم لا يملكون أيّ حقوق يمكن أن تأخذ طابعا قوميا. بما ذلك الحق في التعليم أو حتى التحدث بلغتهم القومية. وبينما تجري ملاحقة مجموعاتهم المسلحة كتنظيمات إرهابية، فإن نشطاءهم المدنيين، وجمعياتهم التي تقتصر على أداء خدمات إنسانية أو ثقافية، يتعرضون لملاحقات لا تنتهي، ويلقون في غياهب السجون لسنوات طويلة ليس لأنهم يقومون بأعمال محظورة، بل لمجرد الشبهات بأنهم يدافعون عن حقوق قومية، ممنوعٌ الدفاع عنها من الأساس.

والثالثة، هي أن حزب الـ”بي كيه كيه”، جزء من حركة سياسية تقدمية عريضة، يسارية إذا شئت، ولكنها ليست حركة تطرف قومي ولا بأيّ صورة من الصور. إنها حركة حقوق مواطنة، بل حقوق إنسانية، أغلقت عليها كل السبل.

اللافت في تاريخ هذه الحركة، هو أنها كلما أتيحت لها نافذة للنظر في هذه الحقوق، أو تخفيف مظاهر الظلم والاضطهاد، كلما سارعت إلى إلقاء السلاح، أملا بالأخذ بمسار سياسي آخر، وهو أمر لم يفعله حزب الملا مصطفى بارزاني، الذي ورثه ابنه مسعود، ويقود حكومته في أربيل مسرور ابن مسعود.

عندما يتصرف حزب العشيرة هذا كمخلب قط لتركيا في عملياتها ضد مسلحي بي كيه كيه، الذين يلوذون بأعالي جبال شمال العراق، فلأن ذلك جزء من طبيعته، كإصبع أمني متعفن بيد الآخرين. وليس لأنه حزب كردي أو يمثل أيّ شيء بالنسبة إلى الحقوق القومية الكردية.

أعضاء مجموعات صغيرة من مسلحي العمال الكردستاني، على أيّ حال، هم الذين يتخذون موئلا محدودا، ولأسباب لوجستية، في جبال سنجار. الجزء الأكبر من قوة هذا الحزب العسكرية موجود في تركيا نفسها.

هذه حقيقة يحرص البارزانيون، كما تحرص أنقرة نفسها، على إخفائها، وذلك من أجل أن تظهر كقوة تدخلات عسكرية ضاربة في العراق كما هي في سوريا. وبما أن لديها من يمكنها أن تستمطيهم، فلم لا.

أكثر من ذلك، فإن عناصر العمال الكردستاني كانوا في طليعة المقاتلين ضد تنظيم داعش، وأدوا قسطهم المشهود بين الأكراد الذين سحقوا دولته في سوريا.

يقول جميل بابك، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني، في كتابه “تاريخ من نار” إن مسلحين من الحزب الديمقراطي الكردستاني اغتالوا بأوامر من الملا مصطفى بارزاني في العام 1971 أمين “الحزب الديمقراطي الكردستاني – تركيا”، سعيد الجي، وأصدقاءه، محمد بيكي، والدكتور شفان هاكو وبروسك بيرسك.

حدثت هذه الجريمة، على الرغم من أن ضحاياها كانوا امتدادا للحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه في العراق، ويتبع سياساته.

وواضح من هذه العملية أن المخابرات التركية هي التي حركت الأوامر. وأن الملا مصطفى أراد أن يقدم فرع حزبه نفسه كبش فداء لتركيا، فقتل رفاقه بيديه، بعد أن كان يستخدمهم ضد الآخرين.

يقول بابك “كان هناك العديد من الجماعات الكردية في تركيا عندما تأسس حزب العمال الكردستاني. لكن فكرهم كان وطنيا. أردنا أن نجمع كل الحركات اليسارية والثورية تحت مظلة واحدة ونصبح بذلك قوة. لكن هذه الجماعات تحركت ضدنا وقالت لنا إننا لسنا كرداً. وكان من بينهم الحزب الديمقراطي الكردستاني – تركيا”.

وشكّل الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتعاون مع النظام التركي عدة مجموعات تصفية ضد “العمال الكردستاني” في أواخر السبعينات وحتى الانقلاب العسكري في الثاني عشر من سبتمبر 1980. وكان من أبرز ضحاياها، حقي قرار، أحد مؤسسي “بي كيه كيه”، الذي اغتيل إلى جانب العديد من رفاقه في الثامن عشر من مايو 1977 في مدينة دلوك (غازي عنتاب).

يذكر بابك، أنه بينما ذهب أكراد آخرون لدعم “حزب الشعوب الديمقراطي” في انتخابات السادس عشر من نوفمبر 2013، فقد ذهب مسعود بارزاني إلى مدينة آمد في ذلك اليوم لدعم حزب العدالة والتنمية وأردوغان.

لم يكن مطلوبا من الأحزاب الكردية في العراق، أن تشارك في الكفاح من أجل حرية “شعب كردي آخر”. ولكن ظل مطلوبا على الأقل ألاّ تكون عدوّا، فإن لم تستطع، فعلى أقل الأقل، ألا تتحول إلى “مخلب قط” تحت أمرة أجهزة مخابرات أنقرة أو طهران. ولكن تاريخ التواطؤ هو الذي ظل يحكم المسالك.

مسرور لم يفعل مع أنقرة، إلا ما فعله أبوه وجده. فلا عجب.

 

المصدر : العرب اللندنية