الجمعة, مارس 29, 2024
حقوق الإنسانمنبر التيارات السياسية (بيانات)

في عفرين يتلاشى قناع جيش الاحتلال التركي ومرتزقته- 5 هل نجح أردوغان في تغيير ديمغرافية عفرين؟

باسل رشيد – صلاح إيبو/الشهباء

تمثال كاوا الحداد الذي يرمز لانتصار الخير على الشر، ويرمز لبداية عصر الحرية للشعب الكردي وشعوب منطقة مزبوتاميا، دمر على أيد أناس مرتزقة، الذين باتوا تحت أمرة جيش الاحتلال التركي، فالهدف الأوحد لدولة الاحتلال التركي هو ضرب المشروع الديمقراطي في شمال سوريا ابتداءً من عفرين.

لماذا عفرين؟

هذه المنطقة الواقعة في أقصى الشمال الغربي من سوريا والتي تحاذي تركيا من جهتين، شكلت خلال فترة الأزمة السورية، منطقة مستقرة نسبياً ومركزاً تجارياً، وتقع ما بين المناطق التي احتلها الاحتلال التركي في الريف الشمالي لحلب بالريف الغربي وإدلب، وبالتالي كانت تشكل هدفاً عسكرياً وسياسياً على مدار السنوات السبع الماضية، وتعرضت عفرين لهجمات عدة من المجاميع المرتزقة التابعة لتركيا منذ عام 2012، إلا أن هذه الهجمات كانت تفشل مراراً وتكراراً، ومع الوقت باتت عفرين أكثر قوة من الناحية الاقتصادية والعسكرية، إضافة لترابط النسيج الاجتماعي فيها وتنظيم الشعب فيها، وبعد إعلان الإدارة الذاتية وتطبيق مشروع الأمة الديمقراطية ومن بعدها طرح الفيدرالية الديمقراطية في الشمال السوري، باتت أنظار حكومة العدالة والتنمية والحزب الحركة القومية تصعد من لهجة تهديداتها لعفرين.

التهديدات التركية لم تكن جديدة، لكن الذي لفت الانتباه هو تصريح أردوغان الصريح حول نسبة الكرد والعرب في عفرين، إذ قال أردوغان في 17-11-2017 خلال اجتماع لقيادات حزبه، أي قبل شهرين من الهجوم أن “العرب يشكلون نسبة 50% من سكان عفرين الأصليين!!”، بل أن العديد من قادة الفصائل المرتزقة كرروا ما قاله أردوغان من تصريحات جلية تهدف للتغيير الديمغرافي قبل البدء بالعدوان والاحتلال.

حقيقة التواجد العربي في عفرين

الاسم القديم لمقاطعة عفرين هو “جبل كورمينج”، وبما أن كافة سكانها كانوا من الكرد، أُطلق عليها اسم “كورداغ” خلال حكم الدولة العثمانية، وهذا الاسم مذكور في الكثير من الوثائق العثمانية، وبعد مجيء الانتداب الفرنسي إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط وسوريا، قُسمت منطقة “جبل كورمينج” إلى قسمين، الأول ظلَّ تحت سلطة فرنسا في سوريا، في حين أُلحق الثاني بتركيا.

وحتى بعد استقلال سوريا عقب الجلاء الفرنسي عنها، كان لا يزال اسمها “كورداغ”، فيما كان بعض الكرد يسمونها “جبل كورمينج”، كما أن اسمها في الكتب المدرسية كان “جبل الأكراد”، أما الآن فأصبح اسمها “عفرين”.

وبحسب إحصائيات غير رسمية، قُدر عدد سكان منطقة عفرين بـ800 ألف نسمة، ومن ضمن هذا العدد من السكان، يوجد 9000 عربي، أي أقل من 2% من نسبة سكان عفرين، غالبية العرب الموجودين في منطقة عفرين هم من سكان “لواء اسكندرون” الذي أُلحق بتركيا، حيث نزح عدد من سكانه العرب إلى عفرين عام 1938.

لكن الوجود العربي تزايد بعد قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدرته حكومة الوحدة بين سوريا ومصر بقيادة جمال عبد الناصر، وتم بموجبه مصادرة آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في عفرين والمناطق الكردية الأخرى في سوريا، وتوزيعها على العائلات العربية، ولكن عمدت حكومة الوحدة إلى توزيع الأراضي الزراعية الخصبة الواقعة على صفتي نهر عفرين على العائلات العربية الوافدة إلى عفرين، حتى وصل التواجد العربي في عفرين إلى نسبة قدرت بـ 12% حتى عام 1998.

وفي ظل الأزمة السورية، توافدت آلاف العائلات العربية النازحة إلى عفرين من معظم مناطق النزاع في سوريا، واحتضنتهم عفرين، وبهذا وصل عدد العرب في عفرين بين نازحين ومواطنين إلى 25% فقط من العدد الذي تجاوز المليون ومئتي ألف نسمة.

كيف استهدف الاحتلال ثقافة وشعب عفرين؟

لم يكن تدمير تمثال كاوا الحداد أولى صور استهداف الرموز والثقافة الكردية في مقاطعة عفرين، مع العدوان التركي، ركز الإعلام التركي والعربي الموالي له على إظهار التسميات التركية والعربية للقرى والمناطق في عفرين، والهدف منها شرعنة غزوها وطمس الأسماء الكردية، إضافة لإقدام المرتزقة على تغيير أسماء الساحات والشوارع إلى أسماء عربية ذات رموز تركية، تمهيداً لفرض سياسة التتريك في المقاطعة عبر وسائل عدة منها التعليم ونشر اللغة والأعلام التركية.

كما استقدم الاحتلال التركي عبر اتفاقه مع روسيا، آلاف المهجرين من المناطق السورية(الغوطة، دوما، ببيلا، حمص، إدلب، ودرعا ومناطق أخرى) إلى عفرين، وبحسب مصادر مطلعة فإن تعداد هؤلاء المستوطنين ضمن منطقة عفرين تجاوز 50% من قاطني عفرين اليوم، إضافة لتشيد مخيم خاص لبعض النازحين غير المرتبطين بتركيا مباشرة بهدف ضبطهم والمتاجرة بقضيتهم، إضافة لإظهار أردوغان نفسه البطل الذي أعاد النازحين السوريين إلى وطنهم.

تقول (ن أ) وهي فتاة عشرينية تقطن في حي المحمودية بمدينة عفرين والتي لم يتسنى لها الخروج من عفرين “عفرين تغيرت كثيراً، رغم أن الحارات الشعبية في حي المحمودية يسكنها السكان الأصليين إلا أن عائلات غريبة عدة سكنت في المنازل التي نزح عنها سكانها، كل شيء تغير، اللباس والسكان، حتى اللغة المحكية في الشارع باتت عربية أو تركية، هوية عفرين تواجه الاضمحلال”، رغم حديثها هذا تؤمن الفتاة التي لم تخرج منذ أربعة أشهر من منزلها إلا نادراً وأول خروج لها كان في تظاهرة نظمها أهلي الحي ضد ممارسات المرتزقة في بداية شهر نيسان الماضي، بأن “تحرير عفرين سيكون قريباً وستعود المدينة إلى ألوانها الزاهية”.

الهدف من استهداف الثقافة

وينظر العاملون في الجانب الثقافي بعفرين إلى أن الاستهداف المتعمد للدولة التركية للتراث والثقافة الكردية، ما هو إلا استهدافاً للوجود الكردي بحد ذاتهن ويقول حنان سيدو عضو مجلس الثقافة والفن في مقاطعة عفرين “كلنا نعلم أن الثقافة هي هوية الشعوب ووجودها، عندما يهدف العدو إلى إمحاء أي شعب كان يحاول إمحاء ثقافته لأن الثقافة تعني الوجود، وبعد الاحتلال التركي لمقاطعة عفرين أقدموا على منع اللغة الكردية ولباس الكردي”.

وأكد حنان أن الشعب الكردي لن يترك ثقافته وتراثه وتابع “لأن ثقافتنا هي هويتنا لذلك سنحميها”.

ضغوط تركية بهدف التهجير الطوعي

وبحسب مصادر متعددة، إن مئات العائلات العفرينية التي عادت إلى عفرين بعيد الاحتلال التركي، قد خرجت مجدداً، وخلال شهر نيسان فقط سجلت حالات فرار لـ 115 عائلة كردية من عفرين نتيجة انتهاكات دولة الاحتلال ومرتزقته، وفي هذا الصدد يقول إيبش أسود الذي وصل إلى مدينة منبج بعد مروره بالمناطق التي تحتلها تركيا وبالطبع بعد دفع الرشوة المطلوبة لتهريبه مع عائلته “العودة لعفرين بعيد الاحتلال كان سببها، أن العديد من أصدقائي قالو “عفرين بخير ويجب أن تعودوا” وبعد دخولي إلى عفرين عبر قرية كيمار لاحظت أن كل شيء تغير، الوجوه واللباس واللغة والتصرفات والنظرات التي ينظر بها المسلحين إلينا”، أسود الذي عاد إلى منزله بالمدينة وعزم بإعادة افتتاح محله في سوق الهال، ولكن بعد مكوثه مدة أسبوعين تعرض للخطف وتم الإفراج عنه بعد دفع رشوة لأحد المرتزقة، وهنا أحس أسود أن العيش بات مستحيلاً في عفرين، ولكنه أصر البقاء وإكمال حياته في مدينته، لكن الضغوط تزايدت وتعاظمت التهم، وهنا بدأ أسود بالتفكير للخروج بعد شهر  واحد من عودته.

هذه حالة من مئات الحالات الأخرى، التي يتعرض لها الأهالي في عفرين بهدف إرغامهم على الهجرة طواعية، وترك منازلهم للمستوطنين والمرتزقة، ويقوم المرتزقة بمنع أهالي القرى البعيدة عن مراكز المدن والمتاخمة للحدود التركية السورية من العودة إلى منازلهم في أغلب الأحيان، وتم توثيق حالات كثيرة منها، منها حالة أهالي قرية قورطا التي منع جيش الاحتلال التركي عودة أهاليها، بل وأرغمت أهالي القرية على توقيع ورقة لا يعرف مضمونها نتيجة كتابتها باللغة التركية.

ممارسات الاحتلال التركي في عفرين ليست الأولى من نوعها، بل سبقها انتهاكات صارخة ضد الكرد المتواجدين في مناطق الباب وجرابلس وإعزاز عبر شنه حملات اعتقال تعسفية ومصادرة الأملاك وإجبار الكرد على الهجرة من تلك المنطقة التي تعرض فيها الكرد سابقاً للمجازر على يد مرتزقة داعش.

إضافة لتاريخ تركيا الحافل بالتغييرات الديمغرافية لمناطق واسعة في باكور(شمال كردستان) حتى وصل الحال بها لتدمير وحرق 5000 قرية خلال تسعينيات القرن الماضي.

يجب إيصال هذه الإبادة الثقافية للمحاكم الخاصة

المحامي محمد جميل أكد بأن الاحتلال التركي يمارس كافة سياسات الانتهاك والتمييز العنصري بحق الشعب في عفرين، وتابع بالقول “الاحتلال التركي ومرتزقته بعد ان احتلوا عفرين، وإلى اليوم يمارسون سياسات التمييز العنصري، والصهر الثقافي، بالإضافة إلى انتهاكات منافية لكافة القوانين والمواثيق الدولية”.

ويؤكد المحامي محمد أنه خلال متابعتهم لانتهاكات الاحتلال التركي في عفرين تبيّن أنه خلال هذا المعارك ارتكب جيش الاحتلال التركي جرائم حرب بحق الإنسانية والتي تستهدف كرامة وهوية عنصر ما وهي هوية ولغة وثقافة الشعب الكردي، “لذلك يتوجب على منظمات حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين رصد وتوثيق تلك الانتهاكات وايصالها إلى المحاكم الخاصة”.

فصول التغيير الديمغرافي في سوريا

التغيير الديمغرافي ليس بجديد في سوريا، إذ بدأت أولى فصوله في مدينة القصير بريف حمص عام 2013، وفيها أرغمت قوات النظام المجموعات المرتزقة وعائلاتهم على الخروج من المدينة، ليستمر التغيير الديمغرافي في مناطق أخرى كالزبداني وغيرها من المناطق بحكم القوة المطلقة والسلاح من قبل طرفي النزاع في سوريا.

لكن مع التدخل الروسي العسكري في الأزمة السورية، وفرضها معادلات جديدة وبنائها علاقات تكتيكية مع تركيا، بات التغيير الديمغرافي يحمل صفة جديدة ويتم على مرأى العالم أجمع وفق اتفاقيات رسمية تشارك فيها دول محورية في الأزمة السورية، المثال الواضح فيها هي معادلة (عفرين- الغوطة) واستمرار هذا المسلسل حتى استكمال سيطرة النظام والقوات الحليفة على معظم المناطق السورية، وتجميع أعداء النظام في الشريط الحدودي.

(ن ح)

ANHA

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *