الأربعاء, أبريل 24, 2024

​​​​​​​اللغة الكردية … تطور بعد القمع وسياسات الصهر – 1

القسم الثقافي
ريزان حسن
مرت اللغة الكردية منذ القدم بمراحل عديدة كان لها تأثير كبير عليها, ورغم تأخر ظهور أبجدية كردية خالصة, إلا أن هذه اللغة التي تناقلتها الأجيال بطرق وأساليب مختلفة، حافظت على أصالتها. 

مراحل تطور اللغة الكردية
يحتفل الكرد في 15 أيار/مايو من كل عام بيوم اللغة الكردية, وقد اختير هذا اليوم في العام 2006 من قبل المؤتمر الوطني الكردستاني يوماً للغة الكردية, وهو تاريخ صدور أول عدد لمجلة “هاوار” باللغة الكردية اللاتينية عام 1932, في دمشق.

لكن وقبل الوصول إلى هذا اليوم نستعرض بشكل موجز مراحل تطور اللغة الكردية عبر نقاط بارزة في التاريخ أثرت على اللغة إلى أن تحولت إلى أبجدية تُقرأ وتُكتب.

لغة عريقة

رغم أن تاريخ اكتشاف الأبجديات المختلفة حول العالم يعود إلى آلاف السنين، بعضها معروف والآخر مختلَف عليه, إلا أن المؤكد أن التخاطب أقدم بكثير من أقدم أبجدية تم اكتشافها, حيث أن الأفراد في المجتمعات المختلفة كانوا يتحدثون فيما بينهم بلغة مفهومة، ولآلاف السنين قبل أن يهتدوا إلى ابتكار أول شكل للكتابة.

وانطلاقاً من هذه الفكرة فإن صمود اللغة الكردية ووصولها إلى يومنا هو تأكيد أصالة وعراقة الثقافة الكردية, رغم التهميش ومحاولات السحق والصهر عبر قرون طويلة, ولا أحد يستطيع إنكار هذه الأصالة لسبب أن الكرد تأخروا في ابتداع أبجدية خاصة بهم والكتابة بها.

تاريخ قديم ..

رغم تأثر اللغة الكردية باللغات المحيطة بها إلا أنها استطاعت العبور والحفاظ على استقلاليتها, حيث تناقلت الأجيال اللغة والثقافة عبر القصائد الشعرية، ويرى علماء اللغة أن بداية الكتابة باللغة الكردية تعود إلى تاريخ الكتاب المقدس للديانة الزردشتية “الآفيستا” في القرن السادس قبل الميلاد.

ويُرجع المؤرخون أصل اللغة الكردية إلى نحو 5000 عام ق.م, هذا لأنها تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندو-أوربية, وتضم عدة لهجات ووفقاً لكتاب شرف خان بدليس. وتتفرع اللهجات الكردية والعشائر والجماعات الكردية من جهة اللغة والتقاليد والأوضاع المجتمعية إلى أربعة لهجات مختلفة هي: كرمانجية الشمال (كرمانجي), كرمانجية الجنوب (صوراني), زازاكي, وكوراني (هورامي).

في التاريخ الحديث استخدم الكرد ثلاث أبجديات أساسية وهي؛ الأبجدية العربية، الأبجدية اللاتينية والأبجدية الكريلية أو السريلية، استخدمت الأبجدية الكريلية من قبل الكرد القاطنين في الاتحاد السوفيتي سابقاً، وصدرت العديد من المجلات والكتب الكردية بهذه الأبجدية، وبعد عمليات التهجير التي تعرض لها الكرد في الاتحاد السوفيتي تم الاستغناء عن هذه الأبجدية واستبدالها بالأبجدية اللاتينية، حالياً يستخدم الكرد الأبجديتين العربية واللاتينية في كتابة اللغة الكردية.

ويقول الكاتب والباحث الكردي ديلاور زنكي في مقال “إن أقدم أبجدية كُتبت بها اللغة الكردية هي الأبجدية الآرامية، حيث وُجدت بعض الوثائق الأخرى في كهوف “الهوراميين” بداية هذا القرن، يعدها البعض أقدم الوثائق الكردية التي كُتبت بالخط الآرامي، وهي وثائق كُتبت على الرق “جلد الغزلان” عن أحوال التجارة في تلك الأيام وأقدم هذه الكتابات يعود تاريخها إلى أعوام 87-88 قبل الميلاد”.

ويقول الكاتب ابن وحشية الذي عاش في القرن الثالث عشر هجري في كتابه (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام) عن الكتابة الكردية ما يلي: “هو من الأقلام العجيبة والرسوم الغريبة، وقد رأيتُ في بغداد في ناووسٍ (تابوت حجري) من هذا الخط نحو ثلاثين كتاباً، وكان عندي منها بالشام كتابَين: كتاب في إفلاح الكرم والنخيل، وكتاب في علل المياه وكيفية استخراجها من الأراضي المجهولة، فترجمتُهما من لسان الكرد إلى اللسان العربي لينتفع به أبناء البشر”.

كما يقول الشيخ محمد مردوخي كردستاني إن رجلاً اسمه “ماسي سوراتي” ظهر في القرن العاشر الميلادي، حيث وضع حروفاً على غرار الأبجدية، دُعيت فيما بعد بالحروف “الماسيسوراتية” وبهذه الحروف دُوّنت كتابات كانت موضوع بحث وجدل. وهذه الحروف تشبه تلك الحروف المعروفة باسم “بستي آفستا” وظلت هذه الحروف دارجة حتى قبيل ظهور الإسلام بين الكرد إلى جانب الخطوط الآرامية والسريانية واليونانية.

ومنذ مئات السنين يستخدم الكرد الإيزيديون أبجدية خاصة، يطلق عليها البعض اسم “الأبجدية الإيزيدية”، ولكن واضع هذه الأبجدية غير معروف وتاريخ وضعها مجهول أيضاً، وتتألف هذه الأبجدية من “31” حرفاً، وتُكتب من اليمين باتجاه اليسار، ويعتقد “صفي زاده بوركيي” أن واضع هذه الحروف استعان بالأبجديات الفهلوية والآفستية والعربية.. وبهذه الأبجدية كُتبت الكتابات الإيزيدية المقدسة، مثل: “مصحفا رش” و “جلوه” وكذلك الأدعية والأذكار الدينية، ولا تزال هذه الأبجدية قائمة بين الإيزيديين حتى الآن.

ويصنف مركز الفرات للدراسات في بحثٍ مراحلَ تطور اللغة الكردية إلى ثلاث مراحل؛ الأولى: سبقت ميلاد المسيح بعدة قرون، وتحديداً من عام 331 ق.م, وحتى عام 17 هجري/638 ميلادي, أي حتى وصول الإسلام إلى مناطق كردستان، وكتب الكرد بالخطّ المسماري عند ظهوره، ويشير العلّامة العربي أبو بكر أحمد بن علي الكزداني في كتابه “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام”، إلى هذا الأسلوب في الكتابة من قِبل الكرد.

أما المرحلة الثانية: فتمتد من عام 638 إلى القرن الثامن عشر ميلادي، والفترة الثالثة من القرن الثامن عشر وحتى الوقت المعاصر.

ويؤكد الكاتب والباحث البريطاني العقيد إدغار أوبالنس (Edgar O.Balance, 1918-2009) في كتاب الثورة الكردية (Kurdish Revolt: 1961-1970) أنّ ما يميّز الكرد عن باقي الشعوب الأخرى هو لغتهم وثقافتهم ولباسهم.

إن معظم الأعمال القديمة عن اللغة الكردية ورغم قلتها, كتبها المستشرقون وغير الناطقين باللغة الكردية لأسباب اجتماعية وسياسية, ويذكر أنّ أول كتاب لقواعد اللغة الكردية يحمل عنوان (Grammatica e Vocabolario della Lingua Kurda/ النحو والمفردات الكردية)، وهو لأحد القساوسة الكاثوليك ويدعى “موريتيزو غارتزوني ( 1734-1804)” ونُشر في روما باللغة الإيطالية عام 1787م.

كما كتب آخرون قواعد نحوية منهم ج. غيورنلي، وخودسكوي الذي كتب هو الآخر كتاباً عن قواعد اللغة الكردية بالإضافة إلى مقالات أخرى في هذا الصدد, وكذلك المستشرق الروسي وقنصل روسيا في إزمير وأرزروم الكساندر جابا أيام الدولة العثمانية, حيث دعا مجموعة من المثقفين الكرد لمساعدته في تدوين مختارات من الشعر الكلاسيكي لمجموعة من الشعراء الكرد, وأبرز إسهاماته هو كتابة قاموس للغة الكردية والفرنسية، بالإضافة إلى قاموس كبير ثلاثي اللغة (الكردية والفرنسية والروسية), كما نشر في عام 1856 الإنجيل باللهجة الكرمانجية في مدينة إسطنبول.

والمستشرق البريطاني سوان (Major Ely Bannister Soane, 1881-1923) الذي أُوفِدَ، بعد الحرب العالمية الأولى إلى مدينة السليمانية، ولعب دوراً هاماً في أبحاث اللغة الكردية، فقد كتب عام 1913 قواعد اللغة الكردية باللغة الإنكليزية، وجاء بعد هؤلاء أساتذة وباحثون لغويون بارزون على مستوى العالم، كتبوا ونشروا أيضاً مقالات وكتباً عن قواعد اللغة الكردية.

تطوّر الأبجدية الكردية وأسلوب الكتابة

وفي غمرة التطور في أوروبا في مجالات العلوم والصناعة والتكنولوجيا, بدايات القرن الماضي كانت الشعوب المضطهدة تزداد ضعفاً وتخلفاً، ومن بينهم الكرد الذين عانوا الأمرّين على يد الدولة العثمانية, واضطر عدد كبير من المتنورين الكرد للهجرة من بلادهم هرباً من البطش, ومع اختلاطهم بالغرب ازداد اهتماهم بالأبجدية اللاتينية, كما أنهم توصلوا إلى قناعة تامة أن اللغة العربية التي يتقنوها لا تفي بالغرض وغير قادرة على تلبية صوتيات اللغة الكردية. 

ودعا الدكتور عبدالله جودت عبر مجلة “روزي كرد” في العام 1913, الكرد إلى تغيير أبجديتهم، لأن الأبجدية العربية لا تستجيب للصوتيات الكردية اللغوية وفي تلك الأيام جرت بحوث ومحاورات مطولة بين أعضاء “جمعية الأمل للطلبة الكرد” (هيفي) بصدد هذا الموضوع.

وكان المتنورون الكرد المعنيون بمجلة “روزي كرد” يسعون إلى إنجاز أبجدية قريبة من الأحرف اللاتينية، إلا أن الحرب العالمية الأولى منعتهم من مواصلة المشوار.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وضع الميجر سوان أبجدية توافق اللغة الكردية ونشر كتابين بهذه الأبجدية، والكتابان هما: “Elemantary Kurmanjî Grammar” بغداد،1919، و “Kitabi Awwalamini Qiraati Kurdi”، 1920م، وهذه الأبجدية لم تلقَ رواجاً بين الكرد.

أول أبجدية كردية باللغة اللاتينية

بدأ الأمير جلادت بدرخان (1893-1915) باستخدام الأبجدية اللاتينية في كتابة اللغة الكردية من خلال مجلة هاوار.

فعقب توقيع معاهدة “سيفر” عام 1920, والتي نصت على إقامة دولة كردية, تم تشكيل لجنة من الزعماء الكرد الذين يعيشون في أرمينيا للمشاركة في تعداد السكان ومعرفة النسبة بين النفوس الأرمنية والكردية، لفض الخلاف حول الحدود, وكان الميجر الإنكليزي “نويل” رئيساً لهذه الهيئة، والشقيقان الأمير “جلادت بدرخان” و الأمير “كاميران بدرخان” يمثلان الطرف الكردي وقد حضرا من حلب.

ويقول الأمير جلادت بدرخان: “في عام 1919م، كنا نسير بين شعاب الجبال حتى وصلنا إلى ديار عشيرة “رشوان”… برفقة الميجر نويل، وكان يتقن اللغة الكردية بإحدى اللهجات فرغب أن يتعلم لهجة “الشمال”، وكان يسعى إلى ذلك ويدوّن كل ما يتعلمه، أما أنا فكنت أجمع القصص والحكم والأمثال التي أسمعها من أفواه الأفراد وأسجلها على الورق بالخط العربي، وكنت أنا ونويل نعيد النظر في ما كتبناه، ونقرأ ما كتبنا، فكان هذا الرجل الإنكليزي يتلو ما كتبه بكل يسر.. أما أنا فقد كانت قراءتي عسيرة وبطيئة، وكنت أجد مشقة في التفريق بين (û) و(o) و (î) و(ê) فما علة ذلك؟ لقد كان الميجر يستخدم الحروف اللاتينية أما أنا فكنت أستعمل الحروف العربية، عندئذ اتخذت قراراً بإنشاء أبجدية لاتينية تستجيب لجميع الألفاظ الموجودة في اللغة الكردية”.

وفي الفترة ما بين1925  – 1930، كان يلتقي باللغوي الكردي من باشور كردستان مصطفى وهبي في سوريا, لمناقشة وتفادي النواقص والخلل في اللغة الكرمانجية والصورانية، ووضع أبجدية مشتركة لهاتين اللهجتين, لكن وهبي عاد إلى العراق دون أن تثمر جهودهما المشتركة وفي العام 1932, أصدر جلادت مجلة هاوار (Hawar) وكتب فيها بالأحرف اللاتينية المعروفة اليوم، وكانت تصدر المجلة دروساً تعليمية عن الحروف والقواعد الكردية.

ANHA

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *