الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

محمد أرسلان: أردوغان وبربروس واللعب على التاريخ والجغرافيا

لطالما حثّنا التاريخ على قراءته واستيعابه لنوسع به إدراكنا للنهوض نحو المستقبل، لعدم الوقوع في مطبات الحياة ومآسيها وكذلك لإعطاء معنىً لما ستكون عليه شكل الحياة في مستقبلنا.

الاستدارة للخلف والاهتمام بالماضي على أنه يخفي حاضرنا ومنه نرسم حدود مستقبلنا، حينها لن نكون سوى شهود زور للتاريخ والحاضر والمستقبل الذي لن نعي مكنوناته وماهيته الكونية. بناء المستقبل ينبغي أن يكون نابع من عدم تكرار الماضي بتفاصيله القاتلة، بل أخذ الدروس والعبر منه لبناء مجتمع أخلاقي يكون عماده الإنسان الحر.

أردوغان الغارق في الماضي العثمانوي يسعى بكل امكانياته الخطابية لإعادة تدوير التاريخ وفق مزاجه لرسم مستقبله وتركيا وفق ذلك، والهدف هو اختزال تركيا الوطن والشعب بشخصه هو فقط، وكل من يعارضه يكون من الارهابيين أو من جماعة الخدمة وكذلك المنبوذين ومصير الكل هو المعتقلات أو النفي والتهجير في أحسن الأحوال. وبهذا الشكل جعل أردوغان من تركيا أكبر سجن لكل من يقول لظل أردوغان بأنه “أعوج”، أو يصفق له من دون ان يفهم أو يدرك أي شيء.
استحضر أردوغان شخصية السلطان سليم الأول حينما أراد العدوان على الشمال السوري واحتلاله وكان ذلك في الذكرى الخمسمائة لمعركة مرج دابق والتي من خلالها توغل العثمانيون نحو بلاد الشام واحتلوها حتى وصلوا مصر بعد معركة مرج دابق.

هكذا قرأ أردوغان التاريخ والجغرافيا في الشمال السوري والتي حاول فيها احتلال سوريا بشكل عام، إلا أن مقاومة الشعب وقوات سوريا الديمقراطية أفشلت مخططات وأجندات أردوغان، وهذا ما جعله يعيش الجنون ويصب جام غضبه على الشعب الكُردي في الشمال السوري. وحتى أن الكرد باتوا فوبيا بالنسبة لأردوغان وتصيبه بحالة من هستيريا التاريخ وخطأ الجغرافيا. لم تسعفه قراءته لهذا الماضي وفشل في تنفيذ هذا الماضي بتفاصيله الاردوغانية. ولعبت التوازنات الدولية أيضا دورها في إذكاء روح الفاشية الطورانية أيضا لضرب الشعوب ببعضها واستنزافهم حتى يتسنى لهم تمرير مشاريعهم التقسيمية في المنطقة.

الآن وعين أردوغان على الوطن الأزرق المتلاطم الأمواج والمتخم بالغاز الذي أسال لعابه ونهمه حتى الشواطئ الجنوبية من هذا الوطن الذي كان منسيا.
الشواطئ الجنوبية لهذا الوطن الذي يدعى بالبحر المتوسط كانت وما زالت سواحل تتحارب عليها أطماع دول الشرق والشمال والغرب، إلا أصحابه الحقيقيون يستخدمونه فقط لعبور الأمواج والهجرة نحو الشمال الأوروبي.

وبنفس الوقت يستحضر إردوغان هذه الشواطئ التي عبث فيها أجداده وعاثوا فسادًا في الشمال الأفريقي. كان القرصان بربروس الذي امتهن حرفة اللصوصية والسرقة في عرض البحر المتوسط ومنها انتقل إلى الجزائر وليبيا، حتى أصبح وزير البحرية عند السلطان العثماني. هذا القرصان والذي تحول بفتوى من السلطان إلى فاتح عثماني يتغنى به أردوغان الآن وجعل منه أيقونة لعدوانه وغزوه للشمال الإفريقي.

نفس الخصائص والشخصية يريد تقمصها أردوغان ليصبح سلطانًا في القرن الحادي والعشرين، وإن كان مثاله وقدوته أحد القراصنة واللصوص. ربما استطاع بربروس وضع قدمه في الشمال الأفريقي مستغلا صراع الشمال مع الجنوب، إلا أن الحاضر يخبرنا بكل تفاصيل التاريخ والجغرافيا، وأن الآن ليس كما الماضي ستستقبله الشعوب بالورود والأحضان. بل ستكون مقاومة الشعب الليبي هي الفيصل في تقليم أنياب بربروس العصر وغرقه بين أمواج الوطن الأزرق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *