الجمعة, مارس 29, 2024
آراءرئيسي

فرزند شيركو: كيف يجدر بالرئيس الأمريكي الجديد استعمال “الورقة الكردية” في الشرق الأوسط الإسلامي؟

تعتبر الأمة الكردية الأقلية العرقية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة الموجودة في الشرق الأوسط بمنأى عن النزاعات العنيفة التي تورّط بها جيرانها. ومن شأن الموقع الجغرافي السياسي الذي تتمتع به كردستان إضافةً إلى وفرة مواردها الطبيعية أن يبدّل موازين القوة في المنطقة. في هذا الإطار، يوصي هذا المقال الإدارة الأمريكية الجديدة بالنظر في إمكانية الاستعانة بـ”الورقة الكردية” للحفاظ على نفوذها الإيجابي في الشرق الأوسط المسلم.

بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية، عمدت الإدارة الأمريكية إلى تقسيم العالم نظريًا إلى محاور خير ومحاور شر، مع تواجد معظم محاور الشر في الشرق الأوسط. وبعد أن قام البيت الأبيض بدحر تنظيم “القاعدة” خارج المنطقة والإطاحة بحكم “طالبان” في أفغانستان وإسقاط نظام حزب “البعث” في العراق، وجد في ذلك دافعًا أكبر لمحاولة الإطاحة بالحكومتين السورية والعراقية ككل. ومن هنا نشأ مشروع “شرق أوسط جديد” نص على تقسيم معظم دول المنطقة إلى عدة دويلات أصغر حجمًا على أسس عرقية ودينية. وكان هذا التقسيم ليفضي إلى قيام دولة عرقية كبيرة للأكراد للمرة الأولى في التاريخ، بحيث تمتد من غرب إيران إلى شمال العراق وتقع عند الجهة الشمالية من سوريا والجهة الشرقية من تركيا.

بيد أن المملكة العربية السعودية وإيران وصفتا وجود الجيش الأمريكي في الأراضي العراقية والأفغانية بالاجتياح المسيحي لأراضي المسلمين، وذلك عبر وسائل إعلامهما الرسمية والبروباغندا غير الرسمية، ودعتا إلى الجهاد المسلح لمحاربته. فإذا بمئات التنظيمات المسلحة تؤسّس في مختلف أرجاء المنطقة للتصدي للوجود العسكري الأمريكي. وفي هذا الوقت، اتهمت الحكومة الإسلامية في إيران “المعارضة الخضراء” بتهديد النظام واحتجزت زعماء المعارضة، فيما وضعت حكومة الإخوان المسلمين في مصر دستورًا جديدًا للدولة يقوم على تقييد الحريات العامة. أما الحزب الحاكم في تركيا فاستخدم الإسلام السياسي لقمع خصومه الإسلاميين وتقييد الإعلام وتطهير السلك العسكري من العلمانيين وقمع الحركات القومية الكردية في كل من تركيا وشمال سوريا بحجة محاربة الكفار.

فاندلعت النزاعات الطائفية في أفغانستان والعراق وسوريا بين تنظيمات “القاعدة” و”جبهة فتح الشام” و”الدولة الإسلامية” (داعش) و”منظمة بدر” و”حزب الله” و”سرايا السلام” و”طالبان” والعشرات غيرها.

إلا أن الأكراد المسلمين الذين يشكلون 95% من الأكراد يعتبرون استثناءً ملحوظًا في هذه الحرب الإسلامية على الأديان الأخرى. فهم لم يشاركوا في العداوة الشيعية-السنية على الرغم من وجود ثلاثة أحزاب إسلامية سنية في إقليم كردستان العراق تمثل نسبة 17% من الأصوات الانتخابية، إلى جانب ثلاثة تنظيمات إرهابية. ذلك أن القيادات الكردية لا تعتبر نفسها جزءًا من النظام السياسي الإسلامي ولذلك فهو لا يشكل بالنسبة إليها نقطة التقاء أو تعبئة لا سياسية ولا دينية. والواقع أن إقليم كردستان العراق يملك الموارد الكافية للتوسع في هذا السلام وتحقيق تنمية أكبر.

إذ يملك الأكراد رأسمال بشري ضخم وأحد أكبر احتياطات النفط، هذا بالإضافة إلى الغاز والمياه العذبة والتنوع الجغرافي الممتد بين إيران والعراق وسوريا وتركيا. ولكن خلال الحربين العالميتين والحرب الباردة والحرب على الإرهاب، لم يتمكن الزعماء الأكراد من استناح الفرص لتحقيق الاستقلال، ولعل السبب الرئيسي في ذلك كان غياب الوحدة في الأمة الكردية، فالأكراد منقسمون إلى أكثر من ستين حزبًا سياسيًا وإلى إيديولوجيات مختلفة وولاءات ديمغرافية.

فأكراد العراق يملكون حكومة واحدة وبرلمانًا واحدًا، إلا أنهم يتوزعون على أربعة مناطق سياسية رئيسية هي السليمانية وأربيل وكركوك وسنجار. وبالتالي تختلف أهداف أكراد العراق وعلاقاتهم الخارجية بحسب موقعهم. فالأكراد اليزيديون في سنجار مقربون بالدرجة الكبرى من “حزب العمال الكردستاني” الذي حماهم من تنظيم “الدولة الإسلامية” في جبال سنجار في أواخر العام 2014. أما السلطات في أربيل ودهوك فتملكان مصالح اقتصادية وأمنية مشتركة مع تركيا أكبر من مصالحهما مع بغداد. في حين أن سلطات السليمانية وحلبجة الواقعتين على مقربة من الحدود الإيرانية تملك مع بغداد روابط أوثق من روابطها بأنقرة وهي مستعدة لإدارة كركوك وسندار بالاتفاق مع بغداد. محافظة كركوك المحلية وفية لسلطات السليمانية بحكم الأمر الواقع مع أنها تنتمي بموجب الدستور إلى الحكومة الاتحادية العراقية – وتسعى كل من تركيا وأربيل إلى التأثير على هذه المحافظة.

في المقابل، يتوزع أكراد إيران على عشرات المنظمات السياسية القومية، اليمينية واليسارية منها. إذ يؤمن بعض الأكراد الإيرانيين بالحوار مع الحكومة الإيرانية لنيل الحقوق السياسية، فيما يبدي البعض الآخر استعداده لبلوغ أهدافهه بالنزاع المسلح ضد الدولة. وفي الوقت عينه، تتهم الحكومة الإيرانية الأكراد الإيرانيين بالتعاون مع المملكة العربية السعودية.

أما أكراد تركيا فينقسمون إلى أربع مجموعات لها مصالح مختلفة، ألا وهي: مجموعة موالية لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم، ومجموعة متطرفة تنتمي إلى “حزب الله الكردستاني”، ومجموعة تؤيد “حزب الشعوب الديمقراطي” وتسعى إلى نيل الحقوق بالسبل السياسية، ومجموعة رابعة ترى في التمرد المسلح من خلال “حزب العمال الكردستاني” الحل الوحيد.

وفي سوريا، ينقسم الأكراد إلى كتلتين متفاوتتين: الأولى عبارة عن مجموعة صغيرة تدعى “الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا” (“البارتي”) وتنتمي إلى “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في العراق، وهي مقرّبة من “حزب العدالة والتنمية” في تركيا ولها قوة بشمركة روج آفا داخل إقليم كردستان العراق، والثانية عبارة عن كتلة أقوى من الأكراد السوريين الذين يؤيدون “حزب الاتحاد الديمقراطي” ومشروعه الفيدرالي لشمال سوريا. تشكل هذه الكتلة القوة المسلحة الرئيسية في “قوات سوريا الديمقراطية” و”وحدات حماية الشعب” التي تدافع عن مناطق سوريا الشمالية وتحررها من يد التنظيمات الإرهابية وتقود حاليًا الحملة الهادفة إلى استعادة الرقة، عاصمة “الدولة الإسلامية”.

استعانة الرئيس الأمريكي الجديد بالورقة الكردية في الشرق الأوسط الإسلامي

بوسع الرئيس الأمريكي الجديد تبنّي سياسة فريدة إزاء الأكراد إذا ما نظر إلى كامل كردستان في الشرق الأوسط باعتبارها حزمة سياسات استراتيجية محددة. خلال السنوات الأربع المقبلة، يجب على سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه أكراد العراق أن تركز على ضمان نظام متحالف يقوم على الجوانب التاريخية والجغرافية والإدارية لكردستان. ومن المهم جدًا أن تصر الولايات المتحدة على تأمين الحماية الدولية للمناطق الكردية التي تحررها البشمركة من يد “داعش” (وهي تضم 49% من كردستان) إلى حين تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي وترسيم حدود كردستان، فهذا سيحلّ الجدال الدائر حول مصير الأراضي المتنازع عليها والواقعة خارج سيطرة “حكومة إقليم كردستان”.

مع أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب نادى في حملته الانتخابية بالسياسات الانعزالية، إلا أنه من الأفضل للمصالح الأمريكية تبنّي سياسة تقدمية تجاه كردستان العراق. فمن شأن مبادرة مشابهة لمشروع مارشال وهادفة إلى بناء بنية تحتية استراتيجية أن تؤدي إلى بناء مجتمع مدني علماني في الشرق الأوسط المسلم يكون داعمًا للولايات المتحدة.

وكذلك يجب على سياسة الإدارة الأمريكية بشأن “روج آفا” أن تركز على استكمال مشروع الإدارة الحالية بالنسبة لشمال سوريا. فمساعدة “قوات سوريا الديمقراطية” على استرجاع الرقة ستقلل من احتمالات سيطرة روسيا والنظام السوري على المنطقة الكردية في سوريا. كما أنها ستحول دون تدهور العلاقات بين “وحدات حماية الشعب” وتركيا بعد تقدم الجيش التركي والتنظيمات الإسلامية الحليفة له داخل المناطق الكردية في عفرين وكوباني، حيث أن تواجد ستين ألف جندي من “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن تحالفٍ متعدد الأعراق والديانات بين الأكراد والعرب والتركمان والأشوريين والمسيحيين والمسلمين قد يساهم في ضمان قيام نظام اتحادي في شمال سوريا. ومن شأن النظام الاتحادي غير الديني والموالي لأمريكا أن يمنع تحوّل سوريا ما بعد الحرب إلى تهديدٍ للمجتمع الدولي. كما أن إشراك الأكراد السوريين في إدارة حكومتهم الخاصة سيؤدي إلى تطور المصالح المشتركة بين تركيا و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، الأمر الذي قد يؤدي بالوساطة والدعم الأمريكيين إلى استبدال النزاعات المسلحة وتزعزع الاستقرار المتواصل بعمليات سياسية رسمية في تركيا.

انطلاقًا من أمريكا ومصالح حلفائها الاستراتيجية، يجب على الرئيس الأمريكي الجديد أن يتعامل مع الشرق الأوسط بدقة وفعالية. فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، تتسنى للإدارة الأمريكية فرصة استخدام “الورقة الكردية” في العراق وسوريا في آن معًا وتتمكن من تعزيز نفوذها في أربع دول مهمة في الشرق الأوسط في الوقت عينه.

*فرزند شيركو، هو باحث استراتيجي، ومعلق سياسيي، ومدير “مشروع اجتثاث التطرف” في «إقليم كردستان العراق».

المصدر: “منتدى فكرة”
منتدى فكرة هو مبادرة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *