الثلاثاء, أبريل 23, 2024

العم نامر”المقاتل السبعيني”.. بعد سنتين ما زلت أعيش ذكرى الخالدين

رئيسيمنبر التيارات السياسية (بيانات)

يسمع دوي الذكريات في أذنه وهو يجول بعينيه على آثارالملحمة التاريخية، من على تلك الشرفة التي كانت حينها حجرة متواضعة يحتمي بها لصد جحافل المرتزقة مناشداً الإنسانية والشبيبة الكردية عبر كاميرة أحد المصورين الحربيين، وهو يبكي “من أجل كرامتنا، من أجل الإنسانية، هلموا إلى كوباني” كانت تلك صرخته التي سمعها العالم كله، خلف ذاك الساتر المبني من أكياس ترابية، و الذي جرح فيها عدة مرات دون أن يتوانا في التصدي والصمود، فكان له بصمة في المقاومة تلك، ليصبح رمزاً يعبر عن الصمود رغم كهولته.

هو ذا المقاتل السبعيني خليل عثمان الملقب بالعم نامر Apê Nemir في مدينته كوباني، التي أمضى جم حياته فيها، صامداً يعيش ذكرى الألم على فراق الكثير، ممزوجاً بذكرى النصر التاريخي لملحمة القرن، و بذلك يغذي معظم ساعات عمره بعد الآن بذكريات حفرت على أبواب عواطفه لا يرى سواها، فيقول عن هذا الشعور “إنها وحدها تجعلني هكذا صامداً أمام الحياة في هذا السن”.

اصطحبنا العم نامر إلى ذاك السقف لأحد منازل كوباني المطل على أكبر ساحة حرب طاحنة شهدتها التاريخ في غربي سوق الهال وبالقرب من جامع حاج رشيد، حيث كانت قبل سنتين من الآن حجرةً للمقاومة، يحتمي فيها مع المقاتلين عند تصديهم لمرتزقة داعش.

ومع صعوده على ذاك الدرج كان وكأنه يعيش تلك اللحظات من الذكريات، فقد كان جلياً على ملامح وجهه والدموع تنهمر من عينيه في وقوفه على تلك الشرفة، “كانت تلك حجرتي و فوهة سلاحي متجهاً نحو الشارع المؤدي إلى الجامع و السوق، وهناك كانت صغيرتي نفل NEFEL تحمل سلاح الـ بي كي سي ، نحمي بعضنا البعض”.

في كل نظرة لكلتا عينيه على كوباني، كانت غصة ألم تملأ كيانه، رغم فرحة النصر التي غالباً ما زادت من معنوياته، وفجأة يمتلئ بنشوة النصر المؤرخ مرة أخرة فيتحدث عن إحدى معاركه والمقاتلة “نفل” ضد داعش على هذا السقف، فيقول “كانت مجموعة من المرتزقة عددهم قرابة الثمانية قادمون نحونا من جهة سوق الهال في خط المواجهة هذه، أرديناهم قتلا إلا واحداً، وكان الأخير يتجه نحو هذه البناية حاملا متفجرات بيده، حاولت كثيراً لكنني لم أتمكن من قتله، فأتت ابنتي نفل بسلاحها البي كي سي و بثلاثة رصاصات أردته قتيلا، كم كانت شجاعة هي”.

في كل ذكرى للعم خليل لابد من مرور اسم الشهيدة نفل على لسانه، نفل NEFEL المقاتلة الشابة في صفوف وحدات حماية المرأة التي انضمت إلى ثورة روج آفا من باكور كردستان، والتي قاومت في نفس الحجرة مع العم خليل، كانت تعتبر أعز من ابنته على قلبه، و كانت هي أيضا تناديه بـ”أبي” لحبها لصموده ولكثرة اهتمام وخوف العم خليل عليهم والسهر في الليل لحراستهم، مقدماً ساعات نومه للمقاتلين من أجل الاستراحة.

فكلما تذكرها يبكي وينظر إلى الزاوية التي كانت تحارب فيها داعش، ولوهلة يتحدث لنا عن لحظة إصابته في حجرة نفل وكيف ساعدته في تخليصه، فيقول “كان الجميع في الطابق الأسفل، منهم للاستراحة ومنهم للمناوبة، و مع وصولي على مقربة من حجرة نفل أتتني رصاصة قناص متفجرة، من ثقب الحائط لتصيب كاحل قدمي الأيسر، ولثواني معدودة أصابتني رصاصة أخرى على العضلة، فهلعت نحو الدرج لأقابل ابنتي نفل قادمة نحوي، فتزيل ملفحها من على رأسها لتضمد جرحي فوراً بارزة لها خوفها علي، فتسحبني للخروج وإبعادي من وابل الرصاص المتجه نحو البناية حينذاك، كم كانت تعطينا المعنويات ببسمتها وزغاريدها مع طلقات الرصاص وكلماتها المشجعة”.

نتجول بصحبة العم خليل ضمن شوارع متحف كوباني الشاهدة على الملحمة، فيتحدث لنا عن ما حفرته تلك الرصاصات من ملحمة على جدران أحياء كوباني، وما قدمته هذه المدينة من شباب قرباناً للكرامة والحرية، إلى أن وصلنا به إلى منزله المتواضع القاطن في حي ” كانيا كردا ” المعروفة بوطنيتها ومقاومتها ضد المرتزقة، فيستذكر لنا عن لحظات التحرير الأخيرة في كوباني، وكيف استقبل الفرحة وهو يتعالج في مشافي باكور، فيخبرنا بأنه ومع وصول الخبر إليه قبل الإعلان عن التحرير، توجه مع زوجته إلى الحدود الفاصلة، وبالتحديد بمحاذات تلة ” كانيا كوردا

فيقول : تكلمنا مع ابني عثمان وهو كان ضمن الحي ليخبرنا بأنهم سوف يرفعون العلم على التلة، تلك اللحظات التي رأيت فيها العلم الكبير وهو يرفرف في سماء مدينتي، عندها تمنيت شيئاً واحداً وهو أن أطير متجاوزاً الحدود لأقبل العلم، انهمرت دموعي فرحاً”، وعن عودته التي تلت إعلان التحرير بثلاثة أيام يقول العم نامر “عندما وصلت إلى باب الحدود المصطنع نزعت الحذاء وتركته هناك، لأمشي حافيا على تراب كوباني، ثم قبلتها، فعلت ذالك لأن تلك الملحلمة بالنسبة لي طاهرة”.

يناضل الآن العم نامر في النشاطات الاجتماعية ومجالس الصلح في مدينته، لأن يده لا تساعده في حمل السلاح، ولأن قيادته تصر على بقائه للعلاج، إلا أنه لا يتحمل ويقول في نهاية سرده لهذه اللحظة القصيرة من ذكرياته “بعد سنتين ما زلت أعيش ذكرى أولئك الخالدين، لكنني لم أوفي بوعدي بعد، لأنني لست في الجبهات، فهي وحدها تجعلني أرى نفل وعلي شير وآلاف من أبنائي و بناتي الشهداء”.

ويذكر بأن المقاتل خليل عثمان رجل في السبعين من العمر، وله ستة أبناء منهم بنات اثنتين؛ يسكن في منزل متواضع أخذت هي أيضا نصيبها من الدمار في المعركة الضارية تلك، ضمن حي “كانيا كوردان” التي شهدت مقاومة كبيرة ضد المرتزقة، وقد حمل السلاح منذ انطلاق شرارة ثورة 19 تموز في كوباني مع أربعة من أبناءه، حيث شارك في كافة الجبهات بمقاطعة كوباني، وأثناء المقاومة الكبرى في المدينة لم يترك عثمان وأبناءه الأربعة مدينتهم، بل توزعوا على النقاط في جبهات المدينة إلى جانب رفاقهم، وقدموا مقاومة كبيرة في سبيل تحرير مدينتهم ودحر المرتزقة من أرضهم، وقد استشهد أحد أبناءه في مجزرة كوباني بتاريخ 25-6-2015 كما لا يزال اثنين منهم في جبهات الحماية يقومون بواجبهم الوطني.

آلان روج
ANHA

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *