السبت, أبريل 20, 2024

سيهانوك ديبو : في الذكرى /18/ من اعتقال أوجلان

آراء

مطر ذلك اليوم؛ أحجية.

منتصف شباط؛ أسود

تموج فيه الأمنية.

قاراتٌ خمسة أمْ سجون خامسة

أقفلت على الحياة وأشهرت المَديّة.

لم يقبل هوميروس؛ دُمىً بشرية

عُقابُ قفقاسيا اقتلعت قلبه الضحية.

اعتقال أوجلان؛ اعلان الخطيّة

وعبرةٌ؛ بأن سَجنَهُ لسجنِهِ؛ نراها كل يوم من أيامنا: بأنها الحرية.

الأوجلانيون يدركون بأن الأنبياء أيضاً وكذا المبشرين والفلاسفة والمصلحين قد سجنوا وحوكموا وذاقوا ما ذَقُوهُ من أَمْر المُرِّ. لكن؛ أوجلان استثناء؛ بينهم؛ نظراً لتراكم عشرات الأسئلة والتي تؤكد أجوبتها على هذا الاستثناء. والخصوصية التي تفرد بها اعتقال أوجلان الذي دام ملاحقةً ل 138 يوم من عاصمة إلى أخرى؛ وكل انتقال كان يبرز الحجم الكبير الممارس من امتهان اللا قانونية واللا شرعية لجميع الدول التي وجدته في استضافتها والتي أقرّت من خلال برلماناتها في أن يمنح إقامة تليق به كقائد حركة وممثل شعبه وأي اجراء يمنع من تسليمه إلى سلطة الذئاب في تركيا. لكن؛ سرعان ما كانت هذه القرارات تُلْفَظُ من قبل أخطبوط المؤامرة التي أودت باعتقاله في 15 شباط من العام 1999؛ هذه من زاوية قانونية محضة.

ست جهات دولية معلنة؛ وأضعافها غير المعلنة؛ أكدت من خلال مشاركتها الحثيثة في إنجاز مهمة القتل المأجور/ اعتقال أوجلان بأن الدولتية بعد سايكس بيكو؛ في حالة تَلَبُسٍ كامل غير ناقص لا تشوبها شائبة؛ تملك النظرة نفسها في حجم العداء للقضية الكردية كمقدمة، ومفصل، ومدخل لفهم عدائها ومنع تحقيق القضية الديمقراطية في الشرق الأوسط بعمومه؛ متورطة بذلك في عمليات اعتقال أوجلان الذي يرمز في هكذا اعتقال إلى اعتقال أو محاولة اعتقال قائد وقضية.

ظروف الفكرية العالمية التي بدت في وقت اعتقال أوجلان؛ كانت مشهودة بخواء فكري حاد. فسقوط النظام الاشتراكي وما رافق ذلك من انحياز وتدفق من قبل أنظمة اشتراكية إلى الجانب الذي قابلها وبدت على أشد خصومة لها؛ كان المشهود. وهذا الخواء جعل أكثر من نصف المجتمعات الشرقية وبالأخص المجتمعين العربي والكردي في وضع فكري صعب عصيب؛ إما التبرير والتسويف والتحجج من وعلى سقوط الاشتراكية كنظام وليس كفكر، أو الارتداد إلى اللبرلة والنيو لبرالية/ الليبرالية الجديدة/ أو الانسلاخ إلى الإسلاموية التي ظهرت كخصم وحيد في مواجهة النظام الرأسمالي. التحول-حتى على المنحى الفكري- يمر بمرحلة عدم الاستقرار؛ ولا نظن بأن الاستقرار الفكري قد ظهر حتى اليوم؛ كحالة متجانسة متماسكة تتخطى بوتقة جغرافية معينة. وأوجلان الفيلسوف من القلائل الذين حللوا بنقدية بنّاءة أسباب فشل الاشتراكية المشيّدة، ويكاد يكون الأوحد في طرح البديل لذلك؛ المتمثل بالأمة الديمقراطية، التي تبدو في ظل تسييد ظاهرة الخواء الفكري المتشيئة أن يكون المرشح الديمقراطي والبديل الثوري والفرصة الحقيقية لتصحيح مسارات العيش المشترك – كواقعة غير موجودة في السابق- بين مكونات الشرق الأوسط جميعهم دون استثناء. وعلى خلاف تام للعلاقات الجبرية المؤطرة التي مرت مئات من السنين؛ جاعلة شعوب في الشرق الأوسط تخضع لشعب معين أو فئة معينة حتى اللحظة؛ تسمى اليوم: زمر الاستبداد وبؤر الخراب الشرق أوسطية.

الأوجلانيون الكرد في كافة أماكن وجودهم من الجغرافيات المستقطعة بعد سايكس بيكو؛ كما الأوجلانيين العرب والسريان الآشوريين والترك والتركمان وغيرهم من القوميات؛ يدركون؛ بأنه ما من فكر أو فكرة جديدة خالصة يظهر/ تظهر حتى تقابل بشتى صنوف المكائد وتصويب سهام التشكيك والتشويه والتشويش؛ لتصل إلى درجة إعلان الحرب عليها. قريش التي اتفقت على عشرة رجال أشداء لقتل الرسول محمد (ص) بُغية أن يتفرّق دمه بين القبائل جميعاً، سقراط المتهم بالهرطقة والذي حكم أكثر من نصف محكمة أثينا لقتله متجرعاً بالسم، غاليلو المتهم من قبل محاكم التفتيش الكنسية بالمارق لأنه أثبت مركزية الشمس، وهوميروس الذي عاقبه زيوس بعُقاب ينتشلون أجزاء من كبده وقلبه موَثّقاً في جبال القفقاس لأنه أراد تكويناً أفضل وتمييزاً للبشر، وابن رشد الذي ساوى حقيقة الفلسفة والشريعة، ولا اختلاف فيما بينهما.

ظهور الفكرة القوية تشبه نموِّ زهرة على صخرة. وفكرة الحرية؛ مثلها مثل قوة عودة الشمس في كل شروق لها. أي أن عالمية المؤامرة في اعتقال أوجلان هي عولمة القبض على فكره في زمن يبدو بأن الخواء الفكري لن يستمر، والأوجلانية كنظرية وفلسفة هي المُقْدِمة على إشغال الشاغل الذي لا بد أن لا يُترك مشغوراً أكثر من ذلك. في شمال سوريا؛ خطى فكر الأمة الديمقراطية خطوات كبيرة ويتحول اليوم إلى حالة براديغما مرنة متألفة ومؤكدة لحالة الاختلاف القومي والديني والثقافي، وهي في ذلك ظهرت كخط ثالث في بداية الأزمة السورية وتظهر اليوم كحل ديمقراطي للأزمة السورية برمتها؛ تفسير الحركة العملاقة التي تقودها النظام التركي مع من تشبهه من الأنظمة في استبعاد ممثلي الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا/ الإدارات الذاتية الديمقراطية؛ السياسيين والعسكريين المؤمنين بفكر وفلسفة أوجلان؛ من حضور أي اجتماع يخص حل الأزمة السورية؛ داعمة في ذلك (أكرادها) الذين يفكرون حتى اللحظة بعقول غير عقولهم.

الأوجلانيون يدركون بأن خصوم الحرية وأعدائها حاولوا تشويه صورة أوجلان؛ بسبب الخوف من فكره؛ لا تفسير غير ذلك. أوجلان الأرمني كي يبتعد عنه الكرد، أوجلان العلوي الشيعي كي يصبح هدف من يعيش في عصر عبثيّة الصراع السني الشيعي، أوجلان الملحد كي يصبح فكره هدفاً للإسلام المتطرف، الأوجلانية خاطفة النساء كي يفقد الحاضنة الشعبية، ووووو… وفي مثال ثورة الأمة الديمقراطية في روج آفا- شمال سوريا؛ كم مرة قيل ولا يزال أن مشروع الفيدرالية الديمقراطية هو مشروع تقسيم وانفصال سوريا؛ وفي اللحظة نفسها يبوق (أكرادهم) بأنه مشروع ضد القومية والشعب الكردي. إذا ما كان هناك شيء جدي يستحق الوقوف عنده حين سماع ذلك كله؛ فإنه المضي في هذا المشروع؛ مشروع الأوجلانية في الشرق الأوسط الديمقراطي؛ والوقوف بحزم وبمسؤولية عند أخطائنا ونواقصنا وتصحيحها بثورية تليق حجم الفكر الثوري الأوجلاني.

في الذكرى الثامنة عشر لمحاولة إسقاط الشرق الأوسط/ اعتقال أوجلان؛ نرى بأننا في أول الطريق؛ بالرغم من اجتياز العقبات الصعبة؛ وأن الحالي والمستقبل يؤكدان بأن الأوجلانية تنتصر، والمؤامرة تفشل بشكل لحظي، أما حرية أوجلان فمتوقفة على الأوجلانيين؛ أولاً.

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *