الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

بيار روباري: تركيا من سيئ إلى أسوأ

منذ تولي حزب العدالة والتنمية دفة الحكم في تركيا عام 2002 وإلى الأن، بقيا زعيمه اردوغان، الحاكم الفعلي للبلاد طوال كل هذه السنين، وحتى عندما أصبح رئيسآ للجمهورية، وهو منصب رمزي، لكن استمر اردوغان في حكم البلاد، في ظل وجود رئيس وزارء، ومن المفروض هو الذي يحكم البلاد، بحكم كونه رئيس السلطة التنفيذية، حسب الدستور، المعول به حتى قبل الإستفتاء. إلا أن السيد اردوغان لم يلتزم بنصوص الدستور، وهمش رئيس الوزراء، وهذا ما دفع بالسيد أحمد داود اوغلوا بالإستقالة، بعد إصطدامه برئيسه اردوغان المتعطش للسلطة، والمال والدماء.

ما الذي تغير عمليآ بعد اجراء الإستفتاء، وفوز اردوغان بنسبة ضئيلة للغاية؟ لا شيئ
في الواقع، سوى تقنين صلاحيات السلطان اردوغان الواسعة بوسع البحر. ومن تلك الصلاحيات تعين رئيس الوزراء، والتحكم بمؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية، والمحكمة الدستورية، والنظام القضائي، وهذا الفوز الأخير للطاغية أردوغان، يعني نهاية الطابع العلماني للدولة التركية، الذي كنا نعرفه، وكرسه حاكمآ مطلقآ لتركيا ولسنوات طويلة حسب برأي.

إن اردوغان كأي طاغية، لا يستمع لأحد نهائيآ، حتى لو كان هذا الشخص من أقرب المقربين اليه، ولنا في إبعاد السيدين عبد الله غول، وأحمد داوود اوغلو، اسطع الأمثلة في هذا المضمار. أردوغان يريد أن يكون حاكمآ مطلقآ، لا ينازعه أحد في سلطاته. لأن ذات الأنا عنده متضخمة الى حد، بات يشعر بأنه الهه.
وإنتقال تركيا من جمهورية أتاتورك إلى جمهورية أردوغان، يعني عمليآ إنتقال معركة تركيا الى الداخل، فالمجتمع التركي منقسم على نفسه، والبلد يعيش اليوم صراعات حادة كثيرة، ومن أهمها الصراع المرير بين حزب اردوغان وجماعة غولن، والصراع بين الإسلاميين والعلمانيين الذين يمثلون نصف المجتمع، كما إتضح تبين جليآ من خلال نتائج الإستفتاء الأخير، إضافة إلى معضلة القضية الكردية المزمنة.

ولا أستبعد بأن يقوم اردوغان بالإقدام على خطوة، من قبيل تحويل تركيا من دولة مركزية الى دولة فدرالية، تساعده في مواجهة مشاكل بلاده السياسية والإجتماعية، والإقتصادية، والتي سنأتي عليها في الحال، لا حبآ بالكرد.
إجتماعيآ المجتمع التركي منقسم على نفسه بشكل غير مسبوق، فلدينا الكرد الطامحين للحرية والفدرالية، والإسلاميين من أتباع اردوغان مصرين على البقاء في السلطة الى ما لا نهاية، وجماعة فتح الله غولن المنافسين لهم، يسعون بشتى الطرق الإحلال محلهم،
ثم لدينا العلمانيين الأتاتوركيين الطامحين إلى إستعادة جمهوريتهم، التي سلبها منهم اردوغان. وأخيرآ هناك الشريحة العلوية، التي تبحث عن هويتها الدينية، والحصول على إعتراف رسمي بها.

كما أن الأوضاع الأقتصادية في تركيا لا تبشر كثيرآ بالخير، ففي العام الماضي سجل الاقتصاد التركي تباطؤاً في النمو بلغ (1.8%)، والبنك وصندوق النقد الدوليان خفضا توقعاتهما للنمو لعام 2017، وأورد البنك في تقريره السنوي انه قام بمراجعة التوقعات، لأن التعافي في الربع الأخير من عام 2016. لأن تركيا تواجه أوضاعآ تمنع من تعافي إقتصادها خلال العام الحالي، وتوقع أن يبدأ تعافي الاقتصاد خلال عام 2019، ليحقق نمواً يصل إلى 3.7 في المئة.
أما وكالات التصنيف الائتمان الدولية، جردت تركيا من وضع “درجة الاستثمار”، العام الماضي، فمثلآ صنفت وكالة “فيتش” الإقتصاد التركي بعالي المخاطر، لافتة إلى أن التطورات السياسية والأمنية، قوضت الأداء الاقتصادي، وإستقلال المؤسسات المالية، وإعترفت وزارة الاقتصاد التركية، بتراجع جاذبية تركيا كمقصد للاستثمارات الأجنبية، وأكدت بأن نسبة الإستثمارات تراجعت بنسبة 44.3 %، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2015. وبلغ حجم هذه الاستثمارات 8.7 بليون دولار عام 2016، مقارنة بنحو 15.5 بليون دولار في العام السابق.

ورغم كل الإجراءات، التي إتخذتها الحكومة التركية، إلا أنها فشلت في إستعادة ثقة المستثمرين في الإقتصاد التركي، بسبب ما تعيشه تركيا، من أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة، وسعي اردوغان التحكم في كل شيئ، من خلال إلغاء القانون والقضاء.
ولم تنجح دول الخليج من إنقاذ تراجع إقتصاد تركيا، رغم ضخ نحو 75 بليون دولار في عصبه. ونحو 32 بليوناً منها لدولة قطر وحدها. ويبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا أكثر من 800 شركة، تستثمر أكثر من 17 بليون دولار في قطاعات إقتصادية متعددة.
ولن تعود الإستثمارات الى تركيا، ما لم يستقر الأوضاع السياسية، والأمنية في البلاد، وهذا لن يتحقق، ما دام اردوغان في السلطة.

وأخيرآ، ملاحظة حول الموقف الكردي، بعدم التعامل مع اردوغان، بعد الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، التي دخل الكرد بموجبها الى البرلمان التركي. فكان هذا خطأ برأي إرتكبه حزب الشعوب الديمقراطية. فعلى الكرد أن يتفاوضوا ويتعاملوا مع حكام تركيا، بغض النظر عن أسمائهم. فقضيتنا ليست خلافآ شخصيآ مع اردوغان أو سواه. لسنا نحن الكرد من نختار حكام تركيا، ولا ننسى بأن حزب العمال الكردستاني وزعيمه اوجلان، تفاوضوا مع نظام اردوغان، ووقعوا معه اتفاقآ، لحل القضية الكردية قبل عدة سنوات.

17 – 04 – 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *